ملف التأمينات والتقاعد، ملف الفساد في بنك الإسكان، ملف الكهرباء، ملف التجنيس، كلها ملفات أخفق فيها مجلس النواب، وكانت نتائجها غير مرضية بالنسبة إلى الناس لأنها وصلت إلى طريق مسدود، فيما كان رضا الحكومة عنها أشد الرضا، لأنها لبت كل طموحاتها من فتح هذه الملفات بالطريقة التي فتحت فيها، وإغلاقها بالصورة التي انتهت إليها، ووصل مستوى رهان الحكومة في بعضها إلى تحكيم مجلس النواب فيها مثل ملف التجنيس السياسي طلبا لإنهاء الملف، وفعلا أغلق ملف التجنيس كما أغلق غيره برهان أو من دون رهان.
بعد كل هذا، يقول الكثيرون إن الناس من خارج هذه المؤسسة البرلمانية غير قادرين على فعل شيء، وهذا كلام يفتقد إلى الدقة والموضوعية، فـ "الوسط" مثلا نموذج لحراك إعلامي ضاغط ومستقل غير مرتبط أبدا بأي من الأطراف السياسية الرسمية أو الأهلية، وقد استطاع طاقمها أن يضغط من خارج المؤسسة التشريعية الحالية ليحقق مكاسب كبيرة على الأرض على مستوى ملفات الفساد وعدالة التوظيف والمرافعة عن الكثير من قضايا المحرومين، بل إن طاقمها هو من أعطى هذه المؤسسة الحجم الذي لم تكن لترقى إليه لولا دفع "الوسط" بذلك، إلا أن هذه المؤسسة العقيمة لم تغير في الواقع شيئا، وتحجمت بشكل تلقائي، لأن واقع حالها لا يتسع لأكثر من ذلك.
إذا، فالرهان على تنظيم المجتمع لخياراته في الإطار المدني السلمي، وتلمس الأدوات القانونية المشروعة للدفاع عما ضيعه مجلس النواب وفرط فيه أيما تفريط، ومنها تقديم الكثيرين ممن ثبتت في حقهم تجاوزات مالية إلى العدالة، على أساس أن كل متضرر من هذه التجاوزات بإمكانه أن يرفع دعوى مدنية طلبا للتعويض لجبر ضرره، ومن ثم رفع شكوى جنائية إلى النيابة العامة لتترافع أمام القضاء عن هؤلاء المتضررين وتسترجع حقوقهم، ومن يظن أن ملفات الفساد في هيئتي التقاعد والتأمينات وبنك الإسكان والكهرباء قد انتهت، فهو واهم، فمازالت للمجتمع فسحة ليتحرك ويطالب بحقوقه وفق الأطر السلمية.
إنها دعوة لأن يأخذ الناس زمام المبادرة، وأن يفعلوا بأنفسهم ومن خلال تحرك ميداني وجدي دولة المؤسسات والقانون، وهم قادرون على ذلك ليكونوا السند الحقيقي لمشروع الإصلاح، عبر الدفع به أقصى غايات الدفع في ظل تلكؤ واضح في أداء المؤسسات السياسية والحكومة والبرلمان، فمن يعلق الجرس شعبيا؟
العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ