في الوقت الذي نتحدث فيه عن زيادة أسعار النفط وتأثيراتها الايجابية المفترضة على الأوضاع الاقتصادية المحلية، فإننا مازلنا نلحظ الركود الذي يشهده عدد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل التجارة والمقاولات والانشاءات وإلى حد ما الفنادق والسياحة وسوق الأوراق المالية.
لماذا لا يجد الحديث عن انتعاش الأوضاع الاقتصادية الذي تقوده زيادة الايرادات الحكومية طريقه الى القطاعات الاقتصادية الاخرى، وكأنما هناك انفصام بين روابط آليات عمل القطاعات الاقتصادية، أي ان آلياتها مجزأة وهي ظاهرة معروفة خصوصا في اقتصادات الدول النامية، إذ يطلق على عدد كبير منها مصطلح "الاقتصاد المجزأ" أو "Fragmented Economy". وبالنسبة إلى الحالة التي يعيشها الاقتصاد المحلي، فإننا نعتقد ان هناك سببين اساسيين يدفعان بروز حالة "الاقتصاد المجزأ".
السبب الأول هو ان الإنفاق الحكومي وحتى في حالة ارتفاعه مع ارتفاع ايرادات النفط، فإنه يذهب بشكل أساسي الى اوجه الصرف المتكررة أي الإنفاق الاستهلاكي "رواتب الموظفين، الإنفاق على المرافق الخدمية كالصحة والتعليم، وصيانة المرافق القائمة" ، أكثر ما يذهب الى الإنفاق الاستثماري. أي ان زيادة الايرادات النفطية تصب في تقليص العجز في الموازنة الحكومية. وصحيح انها تتيح تمويل عدد من المشروعات الجديدة إلا ان حجمها وديمومتها لا تكفي لوحدها لتحريك النشاط في القطاعات الأخرى.
السبب الثاني لعدم تـأثر الأوضاع الاقتصادية بتطورات النفط، فإنه حتى في حال حصول القطاع الخاص على إيرادات أعلى من مشروعاته الممولة حكوميا، فإن معظم هذه الايرادات لايعاد تدويرها بضمن عجلة الاقتصاد الوطني وهنا نواجه قصور القطاع الخاص عن أداء دوره التنموي والمفترض. فمعظم الايرادات التي يحصل عليها إما ان تذهب على شكل ودائع مجمدة لدى المصارف أو استثمارات خارج البلاد. كما ان جزءا كبيرا من انفاق القطاع الخاص يذهب على شكل رواتب واجور للعمالة الاجنبية التي تقوم بتحويل الجزء الأعظم منها الى بلدانها في الخارج. وبالتالي فان هناك ما يشبه الثقوب الكبيرة في خريطة الاقتصاد الوطني الذي تحول قطاعاته الى اشلاء غير متكاملة وغير متفاعلة مع بعضها.
ان حالة "الاقتصاد المجزأ" تسمح بتنمية قطاعات معينة دون غيرها، تلك القطاعات التي تؤدي خدمات واغراض معينة وترتبط باهداف وتوجهات محددة ، إلا ان هذا النمط من التنمية لا يساعد على تطور الاقتصاد بالصورة الصحيحة. وأهم نقطة ضعف فيه هو ان القيمة المضافة المولدة بضمن الاقتصاد لا يعاد تدويرها فيه أي ان التراكم الرأسمالي يكون ضعيف فيه ما يقلل من فرص تحقيق معدلات جيدة للنمو الاقتصادي. ولعل فيما ذكرنا الكثير من الاستنتاجات التي يمكن ان تشير الى سبيل الخروج من هذه الحالة ومحاولة بناء ترابط فعال بين حركة واداء القطاعات الاقتصادية على المستوى الكلي بحيث تنخرط في تحقيق أهداف موحدة كل وفقا لدور مرسوم ومحدد
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 866 - الثلثاء 18 يناير 2005م الموافق 07 ذي الحجة 1425هـ