العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ

مساهمة المجتمع المدني العربي في التحولات الديمقراطية... كيف؟

مجتمع الديمقراطيات هل نلحق به؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في غفلة من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العربي اللاهثة وراء الحوادث انعقد مؤتمران لمنظمة دولية مهمة، وهي مجتمع الديمقراطيات "أي الدول الديمقراطية أو السائرة على طريق الديمقراطية"، الأول في وارسو في العام ،1991 والثاني في بوسان في كوريا الجنوبية في العام ،1993 وسينعقد المؤتمر الثالث في سانتياغو عاصمة تشيلي في أميركا الجنوبية. والمجموعة التي تشكل مجتمع الديمقراطيات تأتي من مختلف مناطق العالم، وتمثل ثقافات وحضارات وأنظمة سياسية واقتصادية مختلفة، ولكن يجمعها التزامها بالديمقراطية كنظام للحكم وآلية لتداول السلطة وإدارة المجتمع، والعضوية في مجتمع الديمقراطيات من نوعين: مشارك ومراقب بحسب درجة نضوج النظام بمعيار ديمقراطي، كما انها ليست دائمة، اذ يناط بلجنة من الخبراء تفحص أوضاع الاعضاء قبل انعقاد المؤتمر، فيمكن ان تنزل مرتبة الدولة من مشارك الى مراقب، وتلغى عضويتها فعلا كما حدث للبنان والكويت.

الأولى بسبب اعتماد نظام محاصصة طائفي للانتخابات والمراكز القيادية لدولة، والثاني لالغاء مجلس الأمة المرسوم الأميركي بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية في الانتخابات والترشح لمجلس الأمة. أما البحرين فمازالت في وضع مراقب وذلك لأن تجربتها الديمقراطية في بدايتها ويعتورها الكثير من العيوب.

دور منظمات المجتمع المدني

للمرة الأولى تتاح لمنظمات المجتمع في الدول الأعضاء أن تشارك في التحضير والاسهام في المؤتمر الثالث لمجتمع الديمقراطيات الذي سينعقد في سانتياغو في مايو/ أيار المقبل، اذ ستتاح لهم فرصة عقد مؤتمر في شهر مارس/ آذار المقبل في سانتياغو، لطرح رؤيتهم عن القضايا المطروحة على المؤتمر الرسمي الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية، كما انها ستتمكن من ارسال وفد الى المؤتمر الرسمي لعرض هذه الرؤية ومراقبة سير أعمال المؤتمر.

انعقد في الدوحة بقطر في الفترة 4 و5 يناير/ كانون الثاني 2004 الاجتماع العربي التحضيري لمؤتمر منظمات المجتمع المدني لمنتدى الديمقراطيات الذي سيعقد في سانتياغو في مارس المقبل، وذلك بدعوة من اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الانسان والمعهد العربي لحقوق الانسان لهذا الغرض، لكن الاجتماع تجاوز هذا البند ليناقش مساهمة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي في المجتمع العربي.

قد يتساءل سائل، وماذا سيضيف هذا الاجتماع او هذه الندوة الى الكثير من الندوات العربية التي انعقدت حول موضوع الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني العربي؟ والجواب هو ان كل ندوة من هذه الندوات أوصلت رسالة من الضروري الالحاح عليها مرارا وتكرارا وهي ان التحول الديمقراطي ضرورة ملحة اذا ما اراد العرب ان يواكبوا التاريخ وان لمنظمات المجتمع المدني دورا ومسئولية لانجاز هذا التحول والنضال من أجله. كما ان هذا الاجتماع تصدى لمهمة جديدة وهي مشاركة منظمات المجتمع المدني الأخرى في العالم، في التحضير للمؤتمر الموازي لمنظمات المجتمع المدني في دول منتدى الديمقراطيات. وحضر المؤتمر ما يقرب من خمسين مندوبا يمثلون منظمات المجتمع المدني في عدد من الدول العربية وليست كلها، ويعود غياب بعضها الى عدم الاهتمام وليس غياب الدعوة، وللامانة فقد وفر القطريون الظروف المناسبة لنجاح سير اعمال الاجتماع من دون ان يتدخلوا البته، بل ان حضورهم مثل باقي الوفود.

التحول الديمقراطي واشكالاته

لا شك في ان التحول العربي نحو الديمقراطية طريق صعب ومتعرج ومتباين، اذ ان البلدان العربية متباينة في نظمها السياسية من المنظور الديمقراطي، لكن ذلك لا ينفي وجود سمات مشتركة وهما حقيقتان لحظهما الاجتماع في مناقشاته.

انعقد الاجتماع في مناقشته لاشكالات التحول الديمقراطي على ورقتين وهما:

1- حول استراتيجية مساهمة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي "نقاط للعمل"، كتبها المفكر والناشط الاسلامي والحقوقي صلاح الدين الجورشي.

2- عوائق التحول الديمقراطي، كتبها الخبير الثقافي العربي عبدالله ابراهيم.

وانقسم بعد ذلك المشاركون إلى أربع مجموعات تدرس كل منها موضوعا محددا وهي:

المجموعة الأولى: علاقة المجتمع المدني بالسلطة وعملية التحول الديمقراطي وتشمل استراتيجيات التفاوض والتأثير والحوار والضغط من أجل انجاز تحول سلمي نحو النظام الديمقراطي. وفي هذا الصدد نوقشت تجارب ناجحة عالميا مثل تشيلي ذاتها التي سينعقد فيها المؤتمر ودول أوروبا الشرقية وآخرها أوكرانيا وجورجيا، وعربيا مثل المغرب التي يمكن الاقتداء بتجربتها مع ادراك نواقصها.

المجموعة الثانية: الانتقال السلمي للسلطة ودور العدالة الانتقالية كأداة للانتقال وهنا جرى التركيز على البلدان الناجحة التي شهدت حروبا اهلية أو صدامات عنيفة أو مرحلة قمع شديد مثل جنوب افريقيا وتشيلي والمغرب وكذلك البلدان التي لم تنجح حتى الآن في طي صفحة الماضي وجبر وانصاف ضحايا المرحلة السابقة مثل اليمن وسورية ولبنان والبحرين.

وجرى الاتفاق ان تقدم المجموعة العربية الى مؤتمر المجتمع المدني للمجتمع الديمقراطي تجربة المغرب، كتجربة ناجحة في العمل لطي صفحة الماضي البغيض وجبر الضرر وانصاف الضحايا للعهد السابق في ظل ذات النظام الملكي ولكن بعد ادخال اصلاحات واسعة وحدوث تحولات كبيرة في ثقافة وفكر المجتمع، ومساهمة مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات ومؤسسات في هذه التحولات وفي عملية العدالة الانتقالية ذاتها. وآخر خطواتها جلسات الاستماع لضحايا المرحلة السابقة، بعد ان جرى تعويض معظم الضحايا أو اقاربهم ماديا، واعترفت الدولة بمسئوليتها عما لحق بهم.

المجموعة الثالثة: الثقافة الديمقراطية، الحوار بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين وقضايا التحول الديمقراطي، وقد ناقشت المجموعة معضلة الاستبداد العربي المديد وسيادة الثقافة الاستبدادية الابوية، وغياب أو ضعف الثقافة الديمقراطية، ثقافة الحوار والقبول بالآخر.

المجموعة الرابعة: التعصب والتطرف والارهاب وقضية التحول الديمقراطي وما هي سياسات المواجهة. غاص المشاركون في التاريخ العربي الاسلامي منذ ظهرت الحركات الاسلامية المتطرفة والتكفيرية والمتعصبة مبكرا والتشرذم المذهبي الذي تحول سريعا الى تناحر طائفي، كما ناقشوا خريطة القوى السياسية الحالية وخصوصا الاسلامية التي افرزت كسابقتها القومية واليسارية والوطنية تنظيمات أكثر تعصبا وتطرفا وخصوصا استخدامها للدين الاسلامي بما له من قدسية وتأثير واسع في اعطاء شرعية لنهجها الخطير هذا. كما ناقش المشاركون التأثير السلبي لفشل المشروع الوطني ثم المشروع القومي وفشل الحكم العربي الراهن على مختلف الصعد وتفاقم المشكلات وخصوصا انسداد الافق امام الشباب في ظهور وانتشار هذه الاتجاهات. كما لم يغفل الحاضرون واقع الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية بما فيها كامل فلسطين والاحتلال الاميركي للعراق والسياسة الاميركية الصهيونية في اذلال العرب وانسياق بعض الانظمة العربية وراءها في تغذية هذه الاتجاهات وجماهيريتها.

مشاركة غربية وعربية

ضمن محور المشروعات الاصلاحية قدم كل من مدير مكتب مشروع مبادرة الشرق الأوسط "MEPI" للديمقراطية والاصلاح وحقوق الانسان في أبوظبي السفير الاميركي هانز فرانسيس ورقة عمل تضمنت الرؤية الاميركية لمبادرة الرئيس بوش في العام 2002 لدعم الاصلاحات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا "الوطن العربي وجواره الشرقي" التي ستساعد من وجهة النظر الاميركية في توسيع الحريات السياسية والفرص الاقتصادية وتحسين التعليم للسكان وخصوصا النساء والشباب، وأعلن السفير هانز ان الإدارة الاميركية فتحت مكتبين للمشروع احدهما في أبوظبي ويغطي مجلس التعاون واليمن ولبنان والثاني في تونس ويغطي دول المغرب العربي، وذلك لتلقى المشروعات التي تندرج في هذا البرنامج للدراسة والتمويل كما ذكر انه منذ تبني المشروع فقد رصد الكونغرس الاميركي 293 مليون دولار للمشروع.

وعرض ممثل سفارة المملكة المتحدة في قطر السيد احسان كلمة شفوية عن الاتحاد الأوروبي عرض فيها تجربة الشراكة الاوروبية المتوسطة التي تعرف بمبادرة برشلونة، اذ يتمثل المجتمع في اجتماعات موازية لمؤتمرات الشراكة الاوروبية المتوسطية واسهامها في طرح رؤاها على المؤتمرات الرسمية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المنبثقة عن هذه الشراكة.

كما عرض اسهام بريطانيا في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته قمة سي ايلند في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة في يونيو/ حزيران 2004 وعرض مقال على تلك المشروعات التي تنفذها بريطانيا في مملكة البحرين ومنها تدريب البرلمانيين وبرلمان الشباب وتمكين المرأة.

وعرض السفير فاروق العهد ممثلا عن جامعة الدول العربية مشروع اصلاح جامعة الدول العربية الذي اقر في قمة تونس في مارس 2004 وما نفذ منه واستشهد باقرار الميثاق العربي لحقوق الانسان واكتمال اركان السوق العربية المشتركة وقرب اقرار محكمة العدل العربية ومجلس الامن العربي والبرلمان العربي في قمة الجزائر المقبلة في فبراير/ شباط .2005 كما ذكر تعيين رئيس الوزراء الاردني السابق طاهر المصري مفوضا في جامعة الدول العربية للجتمع المدني وبشر الحاضرين بأن نظاما سيقر ايضا في قمة الجزائر ينظم وجود المنظمات الاهلية العربية كمراقب في الجامعة ومجالسها المتخصصة على قرار منظمة الوحدة الافريقية والأمم المتحدة، لكن نتائج الاجتماع الوزاري العربي للتحضير لقمة الجزائر خيب الامال اذ لم يقر الا اقامة برلمان عربي معين من قبل الدول العربية بواقع اربعة لكل دولة واختيار دمشق مقرا له.

لقد جرى مناقشة السفراء الثلاثة ومشروعات الاصلاح الاميركية والأوروبية والعربية بموضوعية اذ كان هناك اتفاق على التعاطي الايجابي معها من دون اوهام، اذ انها قاصرة جدا عن تلبية الاسهام الفعلي لمتطلبات الاصلاح العربي قطريا وقوميا.

كما اعترض غالبية الحاضرين على الرؤية الاميركية بعزل الحل العادل والدائم للصراع العربي الاسرائيلي وفي لبة المشكلة الفلسطينية واحتلال العراق وسياسة واشنطن الكونية في حربها ضد الارهاب حول مشروعات الشراكة والاصلاح سواء أكانت أميركية أو أوروبية، كما جرى النقاش مطولا حول منتدى المستقبل الذي عقد دورته الأولى في الرباط والمؤتمر الموازي لمنظمات المجتمع المدني العربية في ديسمبر/ كانون الاول الماضي.

المشاركة في مؤتمر سانتياغو

لقد اتفق الحاضرون على الخطوط العريضة لما يحملونه الى مؤتمر منظمات المجتمع المدني في سانتياغو في مارس المقبل وتضمنته وثيقة الدوحة، وابرزها رؤيتهم لمعضلات التحول الديمقراطي واسهام الآخرين في دعمها أو اعاقتها وخصوصا مشروعي الاصلاح الاميركي والأوروبي وتجربة المغرب في العدالة الانتقالية، لكنه من المؤسف انه لم توضع آلية لمشاركة منظمات المجتمع العربي في مؤتمر سانتياغو أو تمويل هذه المشاركة، لأنها عاجزة عن تحمل هذه الكلفة الباهضة وترك أمر تمثيل وتمويل هذه المشاركة لكل منظمة، ولكل بلد. وعلى رغم ذلك فهناك فرصة للتأثير في مؤتمر دولي مهم مادامت الابواب مغلقة امام مساهمتها في المؤتمرات العربية

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً