موقف الإسلاميين من الديمقراطية يعتمد على كيفية تفسيرهم للإسلام وعلى درجة اقتناعهم بجدوى عملية التحول الديمقراطي. فبينما يرى بعضهم أن النظام الإسلامي متفوق على كل الأنظمة الوضعية - بما فيها الديمقراطية - يرى قطاع عريض من الإسلاميين المعتدلين توافق النظامين، وأن النظام الديمقراطي هو الأكثر قدرة على تجسيد المبادئ السياسية الإسلامية.
النقطة المهمة الثانية في النقاش الدائر بشأن هذه القضية تتعلق بالممارسة العملية، إذ استغلت الحركات الإسلامية المعتدلة كل فرصة لدخول المعترك الانتخابي، وخصوصا على مستوى المجالس التشريعية. خلاصة تجربة العقود الثلاثة الماضية تتمثل في أنه كلما كان هامش حرية العملية الانتخابية أكبر، كلما تمكن الإسلاميون من تحقيق نسب تمثيل أفضل. لكن كان من الواضح أن هذه العملية كانت محدودة، إذ لم تحصل عملية تبادل للسلطة في أي بلد عربي. وعلى رغم ذلك، تمكنت الدول التي سمح للإسلاميين فيها بالمشاركة في العملية السياسية من المحافظة على درجة أعلى من الاستقرار، ويبقى التحدي في الانتقال بعملية التحول الديمقراطي إلى مرحلة متطورة.
ويمكن القول ان من أهم معوقات التحول الديمقراطي ضعف التزام النخب الحاكمة بعملية التحول الديمقراطي، وعدم قدرة المعارضة السياسية في غالبية البلدان على ممارسة ضغط عليها، مع العلم أن كل ذلك يتم في بيئة اقتصادية واجتماعية غير موائمة، إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية غير مشجعة.
على صعيد آخر، هناك عاملان مهمان من المفترض أن يكونا من القوى المشجعة لعملية التحول الديمقراطي، وهما انتقال السلطة إلى جيل جديد من القيادات السياسية في الدول العربية، وتخلي الولايات المتحدة - نظريا على الأقل - عن سياسة دعم الأوضاع الراهنة. هذان العاملان بحد ذاتهما لا يتوقع أن يدفعا عملية التحول الديمقراطي إذا لم ترفد بعوامل أخرى، أهمها تفعيل الضغط الداخلي من القوى السياسية المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني. طرح الإدارة الأميركية الحالية لخطاب الديمقراطية - مهما كان سطحيا - دعوة للقوى السياسية الساعية لدفع عملية التحول الديمقراطي إلى امتحان هذه اللغة الجديدة في مرحلة من التورط الأميركي في المنطقة، وهذا ما يشكل خطوة أولية للبحث عن سبيل جديد للخروج من الطريق المسدود.
امتحان اللغة الجديدة لواشنطن يتطلب حوارا على مستويات عدة بين المؤمنين بالديمقراطية من الطرفين. المستوى الأول للحوار بين المفكرين والناشطين المسلمين في حقل التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان وبين نظرائهم الأميركيين. والمستوى الثاني من الحوار مع الهيئات شبه الرسمية المختصة بدعم التحولات الديمقراطية في واشنطن، وذلك بهدف التوصل إلى فهم لما تعنيه الإدارة الحالية في دعمها للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية والإسلامية، ومن ثم تحديد بعض الخطوات العملية في هذا الإطار. الأصوات المتشددة من الجانبين لا تريد لمثل هذا الحوار أن يتبلور، كما أن سياسة الإدارة الحالية في العراق وفلسطين لا تساعد على انطلاق مثل هذا الحوار، ولكن من الخطأ الفادح أن يترك الملتزمون بالديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي فرصة حديث الإدارة الأميركية عن التزامها بالديمقراطية في المنطقة يمر من دون أن يتم امتحانها، وخصوصا أن الإدارة الأميركية أخذت تحصد الثمار المرة لدعمها للاستبداد في المنطقة. أستاذ العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة آركنسا، الولايات المتحدة، والكلمة ألقاها في مؤتمر الإسلام والديمقراطية
العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ