العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ

امرأة تخاف... وأخرى تسرح الطبيعة في عينيها

قراءة في معرض المؤيد والكفراوي...

المصلى - محرر الشئون الثقافية 

تحديث: 12 مايو 2017

هل رأيت يوما صورة لفتاة تمشي في خطواتها المثقلة تعبر من مكان الى آخر وتتنقل في خوف ما بعده خوف على أرض جرداء لا زرع فيها ولا نبات، يحيط بها الليل بظلمته وتلمع أمامها وجوه وحكايات مخيفة عن جن وسحرة ومردة؟! وهل قرأت يوما عن أنثى جميلة تجلس في هدوئها ورقتها وعنفوانها سعيدة بجمالها وسحر عينيها الذي ينفذ الى القلوب، متخذة من المرآة سلوتها أمام قمر عاشق مفتون بها يسهر الليل قربها ولا يفارقها؟! لا شك أنك رأيت وشاهدت ذلك، ولكنك لم تنعم قبلا بهذا التزاوج ويد الفنان تعطيه من روحها وجمال تعبيرها الشيء الكثير، لتحيله من جديد زهورا حمر الملامح تسري الحياة في أوراقه الخضراء، ولم تنعم من قبل بجانبي صورة تكاد تبكي مع الأول منها وهي تحكي عذاب أنثى لا تجد من يؤنسها وجانب صورة لأخرى تجد الحياة تحت رجليها. لذلك أنت مدعو للذهاب الى معرض سلوى المؤيد ومجدي الكفراوي المقام حاليا في مفروشات المؤيد.

في معرض المؤيد والكفراوي شيء لطيف وآخر مخيف، شيء يأخذ بك الى عالم ملؤه الجمال والأمل والآخر ملؤه الخوف والوجل. ان في اللوحات المعروضه أصابع تشير اليك لتحتضنك بحنان وأخرى تدعوك الى التريث، ليس لأنها ليست جميلة بل لأنها رائعة الجمال ومخيفة في جمالها، انها تقترب أكثر من حدسك وشعورك لتضيء لك جانبا معتما في ذهنك لطالما كان في المؤخرة من رأسك حتى استطاع الفنان ارجاعه الى بؤرة تفكيرك غنيا حالما يشعرك بأنك ازاء شيء كان رفيقك أينما كنت، غير أن الأيام التي أبعدتك عن نفسك وعن ذائقتك كانت مسئولة عن ذلك.

كل هذا الجمال

لقد رأيت من خلال الكفراوي تلك الطبيعة، بجمالها وحلو شمائلها وعلى رغم رقتها وعذوبتها فإنه يبدو شيئا خرافيا ليس على أرض الواقع بينما هو حقيقة تنادي من يحبها. تلك طبيعة ساحرة تساءل عنها يوما ابنها يوسف شاهين وهو أبرع من نقلها صورة حية في فيلمه الشهير "رام" حينما صور جزءا منها في "الفيوم الخضراء": يا سلام كل هذا لدينا ونحن لا نعرف؟! انه سؤال فطري حاول مجدي الكفراوي أن ينقله الى الألوان. ليس في الزهور والأوراق الخضراء فحسب ولا بالأرض الكريمة التي تسطع الشمس على جنباتها فقط، وانما بروح وزهور أطيافها، انظر الى تلك الجميلة التي تجلس الى النافذة أليس فيها شيئا كثيرا من لغة مصر وبهائها؟! أليس فيها ذلك البريق العتيق الذي يمتد الى آلاف السنين؟!

تزاوج فكر وعاطفة

إنها امرأة وهي أقدر من غيرها على جس نبض الحياة في شرايين امرأة مثلها ولأنها لم تقف عند حدود العاطفة وانما تعدتها الى الفكر فزاوجت في لوحاتها بين الفكر والخيال، وتلك لعمري حجة ما بعدها حجة ودليل ليس أكثر منه تحقيقا على أن الفكر والعاطفة هما اللذان يشعلان في الفنان البحث عن أسرار الحياة فهو في شغل شاغل بالحياة والموت وفي شغل شاغل عن الوجود الا ما اتصل بفكرته وبعالمه الذي ينتمي اليه. سلوى المؤيد كاتبة لها حضورها المهم ولها رؤيتها في تلمس أوجاع الناس فهي تكتب الكثير الكثير عن معاناة الآباء وعن معاناة الأبناء ولا شك أنها تعرف مقدار ما تمتلئ به قلوب النساء من ضيم وظلم له بداية وليس له نهاية.

خواطر يقرأها الخيال

يا الله... هل تظل المرأة سجينة معتقدات فجة ضائعة وهي المرأة التي أكرمها خالقها؟! كل هذه الخواطر تتلألأ ولا أقول تبدو ذلك أنها تتلألأ لتشعل التفكير يقظة في حال امرأة لم تزل منذ البعيد البعيد تحاول أن توصل صورتها وان كانت هناك امرأة شاء لها ربها أن تمنح الفرصة لذلك فان هناك الكثيرات من اللاتي لا يجدن من يستمع لهن. غير أنها امرأة والمرأة مفطورة على تذوق الجمال فهي الفنانة القارئة الكاتبة التي حاولت أن تجمع - كما أسلفت - بين الفكر والخيال حتى اذا استتب لها منهما الحظ الكثير عادت الى ذائقتها فرسمت ألوانا موحية وخواطر شتى.

ولكنها لم تتعمد أن تكسوها غريبا وانما رأيت في لوحاتها شيئا من الأرق البحريني فالألوان دافئة وصورة الحياة فيها كالماء الآسن ولفتات الأشخاص فيها لم تعدو وجوها بحرينية تشاهدها الفنانة كل يوم. وكذلك الحال مع مجدي الكفراوي فهو يواصل رسوماته وخيط وحيد في ذهنه يحاول الامساك به ما أمكنه وهو الأمر الذي يحقق خصوصيته اذ يمتد خيطه هذا الى أرضه ووطنه.


لوحات تكاشف الفؤاد

- خرير ماء ينهض ما بين الأشجار والأغصان يحكي الى الطبيعة سر خلوده الدائم وهو في سكراته يهيم حنانا ورقة بالكون.

- رجال على أهبة الحياة في صراع الأرزاق يملأون الحياة صخبا من دون زعيق أو نفير وانما بأغنية الحياة نفسها.

- رجل مقرور يحاول الوثوب على الحياة، عيناه تمتلآن حبا وهو واقف أمام مصطبة يملؤها بشعوره الفياض.

- مأذنة بعيدة تمشي الى حيث يكون الخلود معنى أرضيا يمتلأ به الكون أجمع.

- سر امرأة تدفن في محيا ابنتها خيوطا خضرا وتغسل من مدامعها ما تنفثه فيها.

- انطباق يوحي بالعبور لأجساد نخيلات يتمايلن كنساء يغرقن في الأزرق.

- ذهول يوشك أن يتغير معه الكون، انها امرأة تحاول الصراخ غير أن لونها أزرق مخطط بسؤال لا يبارح شفتيها المتعبتين





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً