كثير من العاملين في الحقل السياسي والمراقبين لأداء الجمعيات الأربع المقاطعة لا يفرقون بين برنامجين للمعارضة، الأول: البرنامج السياسي العام، والثاني: برنامج المقاطعة. وعادة ما ينسبون الإخفاق في قرار المقاطعة إلى البرنامج السياسي العام وليس إلى برنامج المقاطعة، فيقولون: أين موقف الجمعيات المقاطعة من التمييز والفقر، والبطالة، والتجنيس، وغيرها من الملفات التي تأتي في سياق البرنامج العام. والحال أن برنامج المقاطعة يحتمل آليات تختلف في تحريكها على آليات البرنامج العام، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على اختبار الأدوات السلمية من خارج الأطر الدستورية الحالية، ونتيجة لكون الجمعيات المقاطعة خارج الأطر الدستورية الحالية، فقد تلبس البرنامج العام بالبرنامج الخاص.
الجمعيات السياسية مطالبة بالبرنامج العام سواء شاركت في الانتخابات النيابية أم قاطعت، ولكن خصوصية مقاطعتها تفرض عليها أن يكون البرنامج العام من خارج الأطر الدستورية الحالية، وبالتالي فهو بحاجة إلى هياكل تنظيمية أشبه بالوحدات الإدارية التي تتسلم مجموعة الملفات على أساس تخصصي، ويكون من حقها تحريكها بعد إعطائها الصفة الاعتبارية والاستقلالية التامة في التحرك من دون الرجوع إلى الحلقة المركزية في المؤسسة، وهذا ما لا تقوم عليه الجمعيات السياسية، ولهذا يوصف خطابها وأداؤها بأنه غير منجز من خارج دوائر القرار الرسمية، لكونها تعتمد في التصدي إلى الملفات كافة على شخوص بعينهم وبشكل مرتجل وعشوائي.
بعد هذا التحديد الضروري للعام والخاص في برنامج المعارضة، يمكن القول ان برنامج المقاطعة لم يفعل سلميا، وحين فعل على مستوى العريضة الشعبية، حورب على مستوى المؤسسات الرسمية وجهات من داخل الجمعيات وخارجها لصيقة بالقرار الداخلي، بحجة التصعيد السياسي. وعليه، فلا يمكن محاكمة الجمعيات في قرار مصيري بناء على برنامج لم يطبق، وإذا أريد محاكمتها في البرنامج العام، فليكن ذلك بشكل منفصل عن البرنامج الخاص طلبا للحيادية والإنصاف
العدد 864 - الأحد 16 يناير 2005م الموافق 05 ذي الحجة 1425هـ