لا يمكن تبرئة تراثنا المحشو بالكثير من الروايات التي تم دمجها ومزجها ضمن مفاهيم عقائدية/مذهبية لا تمت لها بصلة، ولا يعجزنا الاتيان بأمثلة من كتب الطائفتين، إلا أنه خوفا، وحفاظا على اللحمة الوطنية نتجنب ذلك، وأيضا لكي لا تشتبه الأمور على "البعض" ويرمينا بأظرف الصفات وأغباها! فمن السهولة أن يعتبرنا البعض طائفيين بماركة مسجلة، فكلمة "كاتب مو نظيف" خفيفة في ميزان البعض، ولكنها لا تثبت بموازنات العقل والمنطق والعدل؛ وكذلك لكي لا يتهمنا البعض الآخر بالانحراف العقدي أو الانقلاب الفكري، ولله الحمد والمنة فلم أكن في حياتي من دعاة الفرقة والفتنة أو مروجيها، بل كنت دائما من الداعين إلى الإسلام الجامع المانع و"العدل مع من نحب ومع من لا نحب"، وإعطاء الحقوق المواطنية، لإخوة الدين وشركاء الوطن ونظراء الخلق.
في فترة الثمانينات من القرن الماضي كان المشهد العام وخطاب زعماء الطوائف ينزع إلى التطرف والاقصائية لدى "بعض" العلماء وطلبة العلم، والتي قد يكون سببها الرئيسي عدم اكتشاف الآخر والتحاور معه بشأن الكثير من القضايا المحكوم عليه من خلالها مسبقا، إذ في التلاقي والتحاور يذوب جليد الخلافات، وهو ما يؤكده على النسق ذاته، مسئول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي. وكانت الأجواء السياسية الساخنة وراء ذاك التشنج، إذ كان الخليج يغلي من تحته بركان، ويتطاير الشرر من حوله. وبعد مرور فترة من الزمن تغير خطاب كثير من علماء ومشايخ الدين، ودعا هؤلاء إلى التعايش السلمي والحوار الهادئ مع الآخر، والبحث عن قواسم مشتركة، تعتبر العمود الفقري للتعايش السلمي الطوائفي، إلا أن أصحاب المصالح والمرتزقين من دكان الطائفية ظلوا على حالهم، ولم يتغير خطاب طلبة العلم ومن هم دونهم من المؤلفين والكتاب؟ والظاهر، والله أعلم، أن حماس الشباب "غلاب"؟!
ولكن من المستفيد من الاصطفاف الطائفي، والزج بأبناء الوطن إلى المحرقة الطائفية؟ أحد الخبراء في الحرب الأهلية اللبنانية يقول: "أما في البلدان التي تعشعش فيها الطائفية والمذهبية، فإن الأنظمة قامت بالعزف على أوتار الطائفة والمذهب، وقام كل زعيم بإقناع طائفته أو مذهبه بأنه الحارس المدافع عن حقوق الطائفة، وإذا مات أو عزل ماتت الطائفة واندثرت". ويواصل الزميل اللبناني بعد تشخيصه المرض واسبابه بعرض الحلول: "المطلوب صحوة حقيقية، تطيح بكل المتلاعبين بعقول الناس الماكرين بالأمة ومصيرها". فهل تتغير القناعات الشعبية وسط هذا الكم من الشعارات والفقاعات الطائفية والزعامات المذهبية، التي تواري أهدافها عن العامة؟ يقول المعري:
إنما هذه المذاهب أسباب لجلب الدنيا إلى الرؤساء
متى يتمظهر وعي مختلف عما هو قائم اليوم، من نفي للآخر واستعداء مؤدلج في النفي والإقصاء وبث الحقد والكراهية بين ابناء الوطن الواحد، ويذهب المشايخ والعلماء بالغنيمة الكبرى والنجاة من أتون المحرقة الطائفية؟!
"عطني إذنك"...
يبدو أن ممثلي الشعب يؤكدون طائفيتهم وولاءهم للطائفة من خلال التقدم بأسئلة واستجوابات إلى وزراء من غير طائفتهم، واللعب بعقول الاتباع، وحصد مزيد من أصوات "الطايفة"، بعد أن شارفت الانتخابات النيابية، والتعويل على النجاح الشعبي - في مثل بلدنا - يكون على أساس: من يكون أشد طائفية ويتبنى المطالب الفئوية الضيقة، وفي الوقت نفسه يتوعد بالفتك بالطائفة الأخرى! وكان الله في "عون" البحرين
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 864 - الأحد 16 يناير 2005م الموافق 05 ذي الحجة 1425هـ