كثيرون تساءلوا عن أسباب عدم استقالة الحكومة، كما جاء في الفقرة "دال" من المادة "47"، التي تنص على أن "تنحي رئيس مجلس الوزراء عن منصبه لأي سبب من الأسباب يتضمن تنحية الوزراء جميعا من مناصبهم"، ليعيد جلالة الملك تكليف سمو رئيس الوزراء بإعادة تشكيل حكومة جديدة، كما حدث في مرات سابقة، آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2002 قبيل بدء الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب.
خيار استقالة الحكومة كان مستبعدا في الأساس، ليس لأن الوزارة التي أعيد تدوير عدد من حقائبها ليست بجديدة، أو لأنه لن يتم إدخال عناصر جديدة فيها، "باستثناء وجهين هما فاطمة البلوشي والشيخ أحمد آل خليفة"، فموضوع الاستقالة يرتبط أساسا بضوابط دستورية، ذلك أن السلطات ملزمة بإعادة تشكيل "الوزارة عند بدء كل فصل تشريعي للمجلسين"، وهو ما حدث في نوفمبر ،2002 وما يتوقع حدوثه بعيد الانتخابات النيابية في 2006 "وليس في ابريل/ نيسان كما يشار الى ذلك في بعض التقارير".
بيد أن السلطات بإمكانها إعادة تشكيل الحكومة الآن أو في أي وقت تراه، لكن ذلك يستوجب أن تقدم الحكومة "فور تشكيلها ببرنامجها إلى المجلس الوطني، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج"، كما جاء في المادة 88 من الدستور.
وأظن أن الحكومة تود تفادي ذلك، وهي في غنى عن أن تسائلها المؤسسة التشريعية، والرأي العام، عن برنامج غير واضح المعالم، هو ذاته الذي عرض في 28 يناير/ كانون الثاني ،2003 أمام المجلس الوطني.
إن تشكيل حكومة جديدة لا يعني أن وزراءها جميعهم جدد، أو حتى غالبيتهم، ويبدو لي أن التغيير الذي حدث أمس الأول لا يقل أهمية، على رغم محدوديته، عن التغيير الذي جرى في .2002
وإذا كان دخول ستة وزراء جدد في حكومة 2002 "مجيد العلوي، حسن فخرو، محمد علي الستري، محمد عبدالغفار، عبدالحسين ميرزا، وخليل حسن الذي استبدل لاحقا بندى حفاظ" هو اللافت "حتى لو اعتبره البعض غير كاف"، فإن خروج خمسة وزراء من التشكيل الحالي هو اللافت، أكثر من دخول وجهين جديدين، وفي ذلك رسالة لا تخطئها العين، عن الاتجاه المستقبلي لتشكيلة الحكومة، علما بأن فهمي الجودر ونبيل الحمر دخلا الوزارة في .1999
بيد أن التشكيل الحالي سيظل كما كانت الحكومات المتتالية طوال السنوات الخمس الماضية، ذات طابع ينشد "التطوير" لا "الإصلاح"، إنها حكومة انتقالية للمرة الثالثة، بما يعنيه ذلك من احتواء القيم التي يود بثها المتطلعون إلى تعاط أكثر رحابة مع متطلبات "عصر الديمقراطية والانفتاح"، وضرورة إشراك الناس في القرار.
إلى ذلك، ومن ناحية إجرائية، كان لافتا إعفاء وزير الدولة عبدالنبي الشعلة من منصبه بمرسوم، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى، فيما لم يعف كل من وزيري الصحة والداخلية السابقين خليل حسن والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة بمرسومين، واعتبر توزير ندى حفاظ والشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بمثابة إعفاء للوزيرين السابقين.
ما هو ملاحظ في طريقة إعلان التعديلات هذه المرة، أنها لم تصدر مراسيم بإنشاء وزارة للمالية، وأخرى للصناعة والتجارة، وثالثة للعمل، ورابعة للشئون الاجتماعية... كما لم تتضمن المراسيم إعفاء الوزراء الأربعة الذين خرجوا من التشكيلة الوزراية من مناصبهم "محمد المطوع، عبدالله سيف، نبيل الحمر، جواد العريض"، وربما فهم من تعيينهم في مواقع جدية على أنه إعفاء من المناصب السابقة، والأهم أن وزير العمل مجيد العلوي لم يرد اسمه ضمن قائمة المعاد توزيرهم، وهذا يعني أنه لم يحلف اليمين القانوينة أمام جلالة الملك أمس على أنه مسئول عن حقيبة العمل، وربما يعود ذلك إلى الفهم بأن توزير فاطمة البلوشي على رأس وزراة الشئون الاجتماعية يعني أن مجيد العلوي سيقتصر دوره على العمل، وأظن أن في ذلك إرباكا كان الأجدر تفاديه.
من نواح إجرائية، مراسيم التعيينات والإعفاءات، ربما تكون أخلت بأعراف دستورية كانت متبعة في البحرين سابقا، وفي الدول الأخرى، وكان الأجدر مراعاتها هذه المرة
العدد 863 - السبت 15 يناير 2005م الموافق 04 ذي الحجة 1425هـ