تشهد وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" نقاشات وصلت إلى حد الخلاف بشأن الحرب على العراق بين القوى التي تدفع باتجاه مواصلتها وبين من يدفع باتجاه معاكس. وقالت مصادر أميركية مطلعة انه خلافا لما هو متعارف عليه فإن القادة العسكريين الذين هم في العادة تواقون للحرب والقتال فإنهم في حال العراق يدفعون باتجاه خفض القوات الأميركية في العراق تمهيدا للانسحاب وترك الأمور للعراقيين بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في 30 يناير/ كانون الثاني الجاري.
ويذكر أن المتطرفين في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش المنتمين إلى تيار "المحافظين الجدد" تصوروا أنهم من خلال استخدام القوة العسكرية لغزو العراق والإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين، سيكونون اللاعبين الرئيسيين في واشنطن. وفي العام 1998 كانوا من خلال مركز أبحاثهم المعروف باسم "مشروع القرن الأميركي الجديد" اعتبروا أن "الاستراتيجية الوحيدة المقبولة هي التي تقضي على إمكان أن يكون العراق قادرا على استخدام أسلحة الدمار الشامل أو التهديد باستخدامها" في تحريض صريح لغزو العراق. كما تبنت مجموعة ريتشارد بيرل منذ العام 1996 الإطاحة بنظام حكم صدام حسين واستبداله بنظام حكم مللي يعيد "تحديد" العراق. ودفع هؤلاء إلى إصدار قانون "تحرير العراق" في العام 1998 الذي اكتف بدعم وتمويل وتسليح قوات عسكرية للمعارضة العراقية وتردد في التورط العسكري المباشر للولايات المتحدة في العراق.
غير أنه قبل عامين وأثناء الإعداد للحرب على العراق ازداد الانقسام اتساعا بين القيادات العسكرية الحذرة وبين "صقور" القيادة المدنية للبنتاغون، حين قال رئيس أركان الجيش في 23 فبراير/ شباط ،2003 الجنرال أريك شينسكي عن الحرب على العراق "إنها تحتاج على الأرجح إلى عدة مئات من آلاف الجنود، كما تعرفون. وهذا رقم يعتبر مطلوبا، فنحن نتحدث عن السيطرة بعد الاشتباكات على مساحة جغرافية تعتبر مهمة بما فيها من توترات عرقية يمكن أن تؤدي إلى مشكلات أخرى". غير أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد "اعتبر - يوم السابع والعشرين من شهر فبراير 2003 - أن ذلك مبالغ فيه قائلا "أعتقد أن هذا بعيد عن الرقم المطلوب".
وعرض القادة العسكريون الأميركيون تقييمات مختلطة عن عراق من دون صدام حسين. وتنبأ "المحافظون الجدد" في قيادة البنتاغون بأن العراق سيحتفل بموت صدام. واتهم قائد القيادة المركزية الأميركية السابق الذي قاد الحرب على العراق الجنرال تومي فرانكس وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية دوغلاس فيث بسوء تقدير المقاومة في العراق ووصفه بأنه "أغبى رجل على وجه الأرض".
ولاتزال هناك خلافات بشأن المقاومة التي تواجهها قوات الاحتلال في العراق، فبينما يواصل نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز منذ ستة أشهر ترديد أن المقاتلين في العراق ليسوا "متمردين" لأن ما يسميه "التمرد" بحسب قوله "ينطوي على شيء ما قام بعد ذلك، بل إن هذا العدو نفسه الذي ذبح العراقيين طيلة 35 عاما". ولكن القادة العسكريين يقولون إن عدوهم الآن يشمل "مقاتلين عرب"، كما يشمل أيضا عراقيين أغضبهم ببساطة الاحتلال الأميركي.
وقال زبينغو بريزيزنسكي "مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جيمي كارتر" في تصريحات تنم عن عدم التفاؤل بشأن مستقبل الاحتلال الأميركي "لا أعتقد أننا نستطيع البقاء في العراق بالطريقة التي نحن عليها الآن... إذا لم تتغير بطريقة قاسية، ينبغي أنهاؤها"، موضحا "أن البقاء في العراق يحتاج على أقل تقدير إلى نصف مليون جندي و500 مليار دولار واستئناف العمل بنظام التجنيد الإلزامي".
وعلاوة على ذلك يقول القائد العسكري للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق في العام 1991 الجنرال المتقاعد نورمان شوارزكوف "إن القيادة المدنية لحكومة بوش تجاهلت التاريخ". ويتساءل الكثير من نقاد الحرب عن المسئول عن هذه المشكلات المستمرة؟ فحكومة بوش لم تطرد أحدا. وبعض القادة العسكريين الأميركيين السابقين يريدون لبعض الرؤوس أن تتدحرج.
وتتردد في أروقة واشنطن الكثير من التكهنات بشأن الرؤوس التي ستسقط من إدارة بوش الثانية من بين من ينتمون للمحافظين الجدد، إذ أشارت الأنباء الأسبوع الماضي إلى وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشئون نزع السلاح جون بولتون، في أعقاب ترشيح بوش لممثله التجاري روبرت زوليك لمنصب نائب وزير الخارجية، فيما سارع وولفوفيتز إلى نفي ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" من أن بوش على وشك إقالته، كما ذكرت مصادر مطلعة، أن "رئيس مخابرات رامسفيلد" ستيفن كامبون، وهو من المحافظين الجدد "يفكر بالانتقال إلى القطاع الخاص".
ويعتقد المعلق البارز، والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية باتريك بيوكانان، أن الرئيس بوش بفضل سياسات "المحافظين الجدد"، يقترب من الوضع الذي كان الرئيس السابق ليندون جونسون وجد نفسه فيه عقب هجوم تيت الذي قام به ثوار فيتنام في العام ،1968 إذ وجد أن رئاسته انكسرت. ويقول بيوكانان أنه بعد انتخابات 30 يناير في العراق فإن لدى بوش ثلاثة خيارات: مواصلة حرب لا يمكن كسبها بـ 150 ألف جندي ينزفون باستمرار إلى أن تنقلب عليه أميركا وعلى سياسته وحزبه. أو أن يرسل عشرات الآلاف من الجنود الجدد للقضاء على المقاومة في الوقت الذي نقوم فيه بتنفيذ برنامج لمدة سنوات لتدريب العراقيين للدفاع عن "ديمقراطيتهم". أما الخيار الثالث فهو إيجاد مخرج مشرف وترك العراق للعراقيين.
أما المعلق ديفيد شوستر فقد ذكر "أن الذين يقتلون من الأميركيين في العراق ليسوا القيادة المدنية للبنتاغون أو المحافظين الجدد أو أبناءهم، فالذي يراق هو دم الجنود الأميركيين، وهم الذين يجب أن يواجهوا الحقائق القائمة وهي ألا يسمح لطلبة السياسة أن يضعوا الخطط"
العدد 863 - السبت 15 يناير 2005م الموافق 04 ذي الحجة 1425هـ