تتجاذبنا الهموم في الوطن العربي وكذلك التناقضات، فكل شيء يتحرك وفق معايير المصالح. مثقفونا العرب يصفقون للانتخابات الفلسطينية وهي واقعة تحت رحمة الاحتلال، لكنهم يلقون رصاص التخويف على من يدعو للانتخابات في العراق وراحوا ينظرون للانتخابات في افغانستان! يتهمون العراقيين بالمساعدات الأميركية وهم تحت الطاولة يتقاضون مساعدة مالية لدعم مراكزهم "الثقافية" أو "الديمقراطية" من مؤسسات أميركية. يتكلم العرب عن الديمقراطية وترى الواحد منهم يجدد ولايته على طريقة "ما في البلد إلا هـالولد" حتى اختلطت علينا... هل هي جمهوريات أم ملكيات؟
وإذا جئنا على مستوى المنظرين للفقراء فهم الآخرون سيضيعون الناس في متاهات شعاراتهم غير الواقعية، ولكم مثالا في العراق؛ فالذين سيقاطعون الانتخابات سيكتشفون بعد تلاشي أبخرة الشعارات بأن الخطابات التي قدمت لهم قد حجمتهم، أضعفتهم. الكعكة السياسية ستوزع وهم مازالوا يرفعون شعارات الرفض والمقاطعة... وهكذا.
الضحية في كل ذلك هو المواطن... المواطن العربي الغلبان ينام على وهم الشعارات المدغدغة للمشاعر، ينصح فلا يسمع، يأتي إليه ناصحون إلى درجة انهم يفتحون عينه بـ "الشباصات" ولا يرضى، ثم بعد فوات الأوان وبعد مرور 10 سنوات أو 20 سنة يكتشف أين كانت مواقع الخطأ، ولكن في ذلك الوقت لن ينفع الندم. وهذا ما سيحدث في العراق بعد إجراء الانتخابات، ومن ثم سيكتشف العراقيون مدى رجاحة عقلية المرجع السيدالسيستاني.
المواطن العربي يريد حياة كريمة، وأتصور ان سوء الحال قد وصل به إلى أنه يتمنى لو ان يعيش كمرتبة الحيوان! فالحيوانات في هذا الزمن أفضل حالا من الإنسان. يقول نزار قباني في ديوانه "قصائد مغضوب عليها":
هل تعرفون من أنا؟
مواطن يسكن في دولة "قمعستان"
مواطن...
يحلم في يوم من الأيام ان
يصبح في مرتبة الحيوان!
وهذه ليست نكتة بل حقيقة، فالمواطن العربي مواطن يشكو الأمراض وهموم المعيشة، يمشي ويجر خلفه عربة من القروض، مثقل بأعباء الضرائب، المحسوبية والواسطة قتلتا إبداعه.
دعونا نقرأ رفاهية الحيوان في أميركا...
"صار الأميركيون يدللون حيواناتهم الأليفة أكثر من أي وقت مضى، فالمنتجعات العلاجية والرعاية الصباحية وحتى العلاج النفسي من الخدمات التي وصلت في معناها الحرفي إلى الكلاب بدرجة كبيرة".
البرنامج: يتم استقبال الكلاب عبر دار في نيويورك في السادسة والنصف صباحا في سيارة ليموزين حتى لا يبقوا وحدهم في المنزل، يملك نحو 62 في المئة من الأسر الأميركية حيوانات أليفة منها 78 مليون قطة و65 مليون كلب كما تشير بيانات الاتحاد الأميركي لمصنعي منتجات الحيوانات الأليفة. ويقدر الاتحاد ان أصحاب الحيوانات الأليفة انفقوا نحو 34,3 مليار دولار على حيواناتهم في العام ،2004 وفي العام 2003 انفقوا ما يقدر بـ 32 مليار دولار.
كما أصبحت هناك شركات أميركية تقوم بتصميم ملابس خاصة بالكلاب من ماركات مصممين مشهورين مثل غوتشي وكوتش ولوي فيتان، وفي متجر نيمان ماركوس يمكن شراء معطف كلب مزود بقبعة أو حقيبة لحمله مقابل 400 دولار! وطرحت شركة "بول ميتشيل سيتمز" للعناية بالشعر في الأسواق أخيرا منتجات "جون بول" للحيوانات الأليفة. وهناك معسكرات لهؤلاء الكلاب، وهناك رعاية صباحية يقدمها برنامج فنادق الحيوانات الأليفة وتبلغ كلفة قضاء ليلة في هذه "الفنادق" 21 أو 31 دولارا في جناح يضم سريرا من فراء الأغنام وتلفزيونا يعرض أفلاما خاصة للكلاب مثل "101 دلميشن". "الحياة اللندنية 2005".
هذا في الغرب أو تحديدا في أميركا. الأميركيون والعرب يتلاعبون بالمال والفقراء يزدادون فقرا. قبل فترة كنت أقرأ في كتاب تاريخي يتحدث عن تاريخ العرب أيام الفتوحات وقرأت ان أحد الحكام الأمويين استطاع جيشه أسر 30 ألف جارية وجيء بهن إلى هذا الأموي وعندما ازداد عدد العبيد والجواري انخفضت أسعارهم وارتفع سعر الحيوان فأصبح سعر العبد درهما والبعير 5 دراهم. لعله ليس غريبا على واقعنا العربي ذلك، وخصوصا مع الثنائية المرعبة التي تملى على المواطن العربي "أما دجاج وإلا الحجاج"! فأنت مخير بين أن تكون دجاجة في السياسة وإلا تأكلك مقصلة الحجاج. ولنا في صدام حسين "قدوة" في ذلك. يقول الشاعر أحمد مطر:
لو قيل للحيوان كن بشرا هنا
لبكى وأعلن رفضه الحيوان
على رغم ذلك نقول: الجماهير مسئولة عن مستقبلها... هي تختاره، عليها ألا تسمح بأن تقاد للمسلخ وهي تبتسم، يجب ان تفكر في مصالحها بعقل ووعي، وان تكون ناقدة ومفتحة العين. صحيح ذلك صعب في ظل السياق الجمعي. ولكنه ليس مستحيلا إذ إن المواطن يبحث عن خبز وكرامة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ