العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ

روسيا... والهجوم الاميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت الولايات المتحدة بتنظيم حملة إعلامية، مدعومة طبعا من "إسرائيل"، ضد روسيا متذرعة هذه المرة بمسألة احتمال بيع موسكو دمشق صواريخ بعيدة المدى خلال الزيارة التي ينوي الرئيس السوري بشار الأسد القيام بها في 24 يناير/ كانون الثاني الجاري. وبدت الحملة مدروسة حين استغلت "إسرائيل" وجود وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف في زيارة لواشنطن لتثير زوبعة من المخاوف "المصطنعة" من احتمال بيع روسيا أنظمة صواريخ متطورة إلى سورية. وأرفقت "إسرائيل" مخاوفها المزعومة بمعلومات تشير إلى وجود صفقة تشمل 18 صاروخا من نوع "اسكندر - اي" يصل مداها إلى 280 كيلومترا وتستطيع إصابة أهداف في عمق الدولة.

وتلقفت واشنطن معلومات "إسرائيل"، التي وصفتها دمشق بالمفبركة، وأخذت تعزف على أنغام المخاوف لتضغط على موسكو في جوانب أخرى. وفورا أقدمت أميركا على توجيه تحذير إلى روسيا لمنعها من بيع الصواريخ. وذكر متحدث باسم الخارجية ريتشارد باوتشر أن واشنطن تعارض تسليم الصواريخ متهما سورية بأنها "دولة ترعى الإرهاب". مشيرا إلى أن القانون الأميركي ينص على عقوبات محتملة إذا تمت عملية البيع.

18 صاروخا يصل مداها إلى 280 كيلومترا كانت ذريعة أميركا لتدوير المباحثات وحرفها عن جدول أعمالها وتهديد روسيا بعقوبات في حال صممت على إتمام الصفقة. والصفقة حتى الآن لم تكتمل شروطها ولا توجد معلومات عنها سوى من "إسرائيل" التي تملك قدرات صاروخية وجوية ونووية تهدد نصف العالم العربي وتركيا وإيران وصولا إلى جنوب روسيا وشرق أوروبا وجنوبها.

"إسرائيل" دولة مخيفة وتدعي الخوف وهي تملك قدرات عسكرية وتقنية أميركية غير متوافرة حتى لدول كبرى في الاتحاد الأوروبي... ومع ذلك تصطنع الرعب وتتظاهر بالمسكنة حتى تجذب المزيد من الدعم والكثير من المعدات والأسلحة.

"إسرائيل" التي تقدم نفسها للعالم بأنها دولة ضعيفة معرضة للإبادة من جيرانها تملك ما بين 100 و400 قنبلة نووية، وترسانة من الصواريخ البالستية تتضمن تشكيلة من الأنظمة المرعبة لا تملكها سوى الدول الكبرى في العالم. وآخر الإحصاءات المنشورة في هذا الصدد تؤكد أن تل أبيب تملك 50 صاروخا من اريحا - 1 يبلغ مداه 500 كلم ويحمل رأسا بزنة 500 كلغ. وتملك 50 صاروخا من اريحا - 2 يصل مداه إلى 1500 كلم وتبلغ زنة الرأس الواحد 1000 كلغ. وتملك صواريخ اريحا - 3 يبلغ مداها 4800 كلم وتحمل رؤوسا زنة كل منها 1000 كلغ. وأيضا تشتمل ترسانتها على صواريخ من طراز ام. جي. ام - 53 البالغ مداها 130 كلم وبرؤوس زنة كل منها 450 كلغ. كذلك تملك تشكيلة صواريخ من طراز دليلة وغايربال - ،4 وصواريخ هاربون بمدى يصل إلى ما بين 130 و400 كلم. يضاف إلى الصواريخ "المتطورة جدا والبعيدة المدى جدا" تملك "إسرائيل" أحدث الطائرات الحربية الأميركية يتعدى مداها 1000 كلم، ومنها طائرات أميركية من الطراز الأخير "اف - 52أ" يحتمل أن يصل مداها إلى 3500 كلم، وانضمت إليها منذ ثلاث سنوات أربع غواصات "ألمانية الصنع" من طراز دولفين قادرة على اطلاق صواريخ تحمل رؤوسا نووية.

هذه القوة المخيفة والمدمرة لا تهدد المنطقة العربية - الإسلامية فقط بل تحولت الآن إلى قوة سياسية إقليمية كبرى تستطيع أن تزعزع أمن المنطقة وتبتز روسيا وتستفزها... وفي الآن تدعي الضعف والمسكنة وتثير زوبعة من المخاوف بمناسبة ورود معلومات "عن نيات روسية" لبيع 18 صاروخا لسورية.

هذه الوسيلة في إثارة المسألة أثارت غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورد عليها بالإشارة إلى التدخل الأميركي - الإسرائيلي في الانتخابات الأوكرانية. والسؤال إلى أي مدى ستستمر الضغوط الأميركية على روسيا؟ وبالتالي ما هو مدى قدرة موسكو على تحمل تلك الضغوط التي لم تتوقف منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

روسيا الآن تعاني من عزلة جغرافية - سياسية على رغم محاولات الرئيس بوتين استعادة تلك المكانة الدولية السابقة ولو على مستوى تطوير قدراتها الدفاعية وانقاذ ما تبقى من هيبة في المناطق المجاورة لها. وحتى الآن وعلى رغم نجاح الرئيس بوتين في الحد من الخسائر الموروثة عن سلفه بوريس يالتسين لم يستطع وقف ذاك الهجوم الأميركي الذي جدد اندفاعه بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول .2001 فإدارة جورج بوش استغلت الضربة لتدشين سلسلة حروب وصلت إلى حد تطويق روسيا من مختلف الجهات تقريبا وانتهت أخيرا إلى قلب الطاولة على الكرملين في جورجيا وأوكرانيا. والسؤال يبقى إلى أي مدى تستطيع روسيا تتحمل تلك التدخلات الفظة في شئونها الداخلية تاركة أمنها الاستراتيجي يتعرض لمخاطر من الصعب وقفها لاحقا في حال استمرت الولايات المتحدة في ضغوطها وتطويقها السياسي والعسكري؟

زيارة الأسد لموسكو ربما تملك أجوبة عن السؤال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً