العدد 861 - الخميس 13 يناير 2005م الموافق 02 ذي الحجة 1425هـ

لا دفاعا عن الشيعة والأكراد... لكن الحقيقة يجب أن تقال

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

في برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تقدمه قناة "الجزيرة" الفضائية كل يوم ثلثاء، وقع ضيف الحلقة الأخيرة نوري المرادي، الناطق الرسمي للشيوعي الكادر، في أخطاء خطيرة وغير مسئولة، مثلما وقع قبل أشهر شخص آخر من هذا الحزب وعلى القناة نفسها وفي البرنامج نفسه، ولعل أخطرها إثارته النعرات الطائفية والقومية، في وقت العراق بحاجة ماسة إلى التئام الجروح ورص الصفوف. وأول الأخطاء التي وقع فيها نوري المرادي، ضيف معد البرنامج فيصل القاسم هو قوله إنه لا أحد يريد إجراء الانتخابات في العراق غير السيستاني والمافيا الكردية و"إسرائيل"! أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه فإنه قدم نفسه في صورة الحريص على مستقبل الشعب العراقي، من خلال تقمصه لأسلوب وشكل الخطاب الـ "بن لادني"، ولخطاب "القومويين العرب" الذين كانوا سببا في وصول واقع العرب إلى هذا الحال.

وهناك أخطاء جمة أخرى لا نود أن نخوض في تفاصيلها لأسباب عراقية كثيرة، وعلى الأقل أنه لا يستحق الرد لأن مثل هذا الشخص يفتقر في الأساس إلى آداب الحوار والحديث.

إن مسألة الانتخابات في العراق ليست صنعة ومخططا صهيونيا أو بدعة، بل إن الواقع الذي يعيشه العراق يفرض على العراقيين أن يفكروا وان يسخروا كل وقتهم لأجل استكمال العملية الانتخابية والعملية السياسية. والحقيقة أن الواقع العراقي، إذ غياب الأمن وانتشار الفوضى وغياب الدولة، يفرض علينا طرح السؤال الآتي: كيف تستعاد الدولة؟

لاشك أن الانتخابات هي السبيل الوحيد لانتشال العراق من الفوضى وإعادتها إلى حال الدولة، لكن هل يتم إجراء الانتخابات بسهولة أم لا؟ هذا هو مربط الفرس. فإذا كان الوضع الأمني في العراق لا يسمح بإجراء الانتخابات، فإن هذا يجب ألا يكون بمثابة إطلاق أيدي الارهابيين، وترك الأقلية يتحكمون في إرادة العراقيين ومستقبلهم، فنحن لا نريد أن يستغل أحد حجة الوضع الأمني سببا لإعطاء الفرصة للمشاغبين والعابثين لتنفيذ الدور المدمر للعراق ومستقبل شعبه. ان الكثير من الدول أجريت الانتخابات فيها، وكان الوضع الأمني فيها شبيها بالوضع العراقي مثل فلسطين وأفغانستان وغيرهما، وعندما تكون هناك مطالبة بتأجيل الانتخابات، فهذا لا يعني أن إجراءها غير صحيح، فالتأجيل الهدف منه إشراك أكبر قدر ممكن من الشعب في العملية الانتخابية، فإن هذا الأمر مهم في وضع مثل الوضع العراقي الذي يجهز نفسه في الاختبار الأول للتجربة الديمقراطية.

ولهذا ولأسباب ترتبط بالوضع العراقي كان يجب على نوري المرادي أن يلتزم بشيء من العقلانية في حديثه، وألا يخلط الحابل بالنابل، وخصوصا أن مسألة "عراقية" السيدالسيستاني وعدم عراقيته يحددها ملايين العراقيين، وبدلا من أن يفكر بهذه الطريقة، يجب عليه أن يفكر بما فعله السيدالسيستاني للعراق، ألم يكن السيدالسيستاني هو السبب في إنهاء النزيف في النجف وكربلاء؟ ألم يكن السيدالسيستاني هو السبب في توحيد الصف الشيعي ومنعه من الانشطارات والانزلاقات؟

والأهم هنا في الموضوع هو أن نفكر كيف نساعد العراقيين باستكمالهم لعملية الانتخابية، وليس المطلوب من المراقب أن يبحث عن سلالة وأعراق وأجناس أشخاص لهم دور إيجابي في ترتيب الوضع العراقي، لأنه مسألة "عراقية" أو "عدم عراقية" شخص، لا تهم العراقيين في هذه اللحظة، سواء كان أفغانيا أو إيرانيا أو عربيا، بقدر ما يهمهم استتباب الأمن وحقن دماء العراقيين وإيجاد مخرج للخروج من الأزمات.

ثم إن المرادي وصف القادة الأكراد بـ "المافيا الكردية" وقال إنها تقف إلى جانب السيستاني و"إسرائيل"، في إجراء الانتخابات، ونسي أن البرامج الاخبارية كانت تبث ومن القناة نفسها، أن البارزاني "يريد تأجيل الانتخابات إذا كانت تلك إرادة غالبية العراقيين". والقناة نفسها بثت في التوقيت نفسه أن هناك اجتماعا لمسعود بارزاني مع عشائر وشخصيات من "المثلث السني"، طالب فيه الحضور بأن يكون هناك عقد مؤتمر للمصالحة قبل إجراء الانتخابات وكيف يقبل هذا الشخص لنفسه أن يقول عن شخص يمثل غالبية إرادة الأكراد أنه من "المافيا"؟ ألم يسمع المرادي ما قاله بارزاني في الاجتماع الذي عقد تحت شعار: "لا للإرهاب نعم للحوار" في أربيل؟ ألم يسمعه يقول: "إلى متى نقف متفرجين على ما يحصل في وطننا... لابد أن نتحرك على كل الأصعدة، ولابد من التحرك لإنهاء هذا العنف وهذه الفوضى وهذا النزيف".

لا أعتقد أن من يقول هذا الكلام ويبدي حرصه على مستقبل بلده وشعبه يوصف بـ "المافيا". ثم إذا كان بارزاني أو طالباني "مافيا"، فماذا سيكون "الشيوعي الكادر" اذا؟ ألم يعرف هذا الحزب بانه العميل، وتدعمه بقايا النظام السابق وفلول البعث المطرود؟

في الحقيقة ان إطالة النقاش مع أمثال هذا الرجل لا تفيد، لكن المهم هنا أن نقول إن إجراء الانتخابات ضرورة عراقية بامتياز، كونها الخطوة الأولى لإضفاء الشرعية على مؤسسات الدولة والحكومة، هذا فضلا عن انها بداية لتعاطي العراقيين الجدي مع قرارات مجلس الأمن، إذ يخول القرار رقم 1546 إجراء الانتخابات، وجدية التعامل مع قانون إدارة الدولة العراقية. أما مسألة التأجيل، فهي مهمة إذا كان التأجيل يخدم العراقيين ويسهل الطريق أمامهم لاشراك كل الفئات العراقية، وخصوصا أن المرحلة المقبلة هي المرحلة التأسيسية، وهو ما يتطلب إشراك كل الفئات العراقية ونبذ سياسة التهميش والاقصاء التي اتبعت عبر قرون

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 861 - الخميس 13 يناير 2005م الموافق 02 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً