في دولة الكويت، وهي دولة عريقة خليجيا في الديمقراطية، توجد محكمة ضمن الهياكل القضائية المهمة، وتسمى بـ "محكمة الوزراء"، وأحيل إليها عدد كبير من الوزراء بتهم الفساد والاعتداء على المال العام، وهي محكمة مكيفة قانونيا وحتى بروتوكوليا لغرض محاكمة الوزراء بوصفهم "هوامير كبار"، إلا أن ذلك لم يمنع من إحالتهم إلى القضاء حين ترسخت الأسس والأعراف الديمقراطية في الكويت، وترسخ مبدأ الفصل بين السلطات، فلم يصبح أحد فوق القانون.
نحن في البحرين، إذا أردنا أن نؤسس إلى الإصلاح ونجذره، ونقنع الناس بألا عودة إلى الوراء، ونقنعهم بأن المتنفذ المعتدي على المال العام بإمكانه أن يمثل أمام العدالة من دون أن يخيف أحدا أو يهدده، ونقنعهم أيضا بإمكان ترويض الكثير من المتنفذين الكبار من خلال القانون، فلابد أن نوجد هذه المحكمة ضمن معايير قانونية وبروتوكولية خاصة، تؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاح، وتقطع الطريق تحديدا على من يريد الرجوع إلى المربع رقم واحد، فوجود محكمة الوزراء، فيه تأكيد على أن المتنفذين في مناصبهم لا يمكن أن يكونوا متنفذين إلى الأبد، وهذا في حد ذاته يقوض منظومة المتنفذين القائمة حاليا، ويبني منظومة أخرى يكون الناس شركاء في صنعها. إن الباعث لمثل هذا التوجه، هو إفلات الكثيرين ممن ثبت في حقهم الاعتداء على المال العام من العقاب، أو إيجاد حماية لهم من قبل متنفذين كبار، أما في حال تسمية محكمة باسم كبار المتنفذين في الدولة، فهذا يسقط الحصانة تلقائيا عنهم، ويجعل حرصهم على المال العام أكبر، ويجعل الرقابة الشعبية عليهم أوسع، ويجرئ الكثيرين على أن يسهموا في دولة المؤسسات والقانون من خلال جهد شعبي خالص، بتقديم المتورطين في الفساد إلى محاكمة عادلة، فهل نشهد هذه المحكمة في القريب العاجل؟
العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ