يلقي التسارع التنموي في كل الاتجاهات الذي تشهده المملكة مخاوف متعلقة بصعوبة مواكبة هذا التطور مع برامج المحافظة على البيئة المفترض أن تكون موازية لهذا النمو في ظل التوجهات المحلية المنضوية تحت الاتجاه العالمي لحماية البيئة.
وتعود هذه المخاوف الى حداثة التشريعات البيئية في مقابل التطور الصناعي الذي شهده الاقتصاد منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي وتفصله عقود عن أول تشريع بيئي صدر في العام .1996
وبحسب رجل البيئة اسماعيل المدني فإن هناك جهودا كبيرة لأخذ البيئة في الاعتبار في هذه المسيرة التنموية، اذ تحال المشروعات المرخص لها حديثا الى لجنة حماية البيئة لدراسة تأثيراتها البيئية وسلامة عملياتها ابتداء من التصنيع وحتى التخلص من النفايات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، أيهما يأتي سابقا اجرائيا، هل هو اصدار التصريح الصناعي أم التصريح البيئي؟ وما هي قدرة أجهزة الرقابة البيئية مختبريا وبشريا على تلبية متطلبات هذه الرقابة؟ وما مدى إلزامية قرارات التقويم البيئي؟ وعلى رغم اجابة المدني على الشطر الأخير بأن قرارات اللجنة الزامية للمشروعات الحديثة الا أن الأمر المقلق هو كيفية التعامل مع المشروعات الصناعية القائمة فعلا ومنها محطات الكهرباء خصوصا اذا ما أخذ في الاعتبار ارتفاع كلفة المشروعات البيئية والتي قد تشكل عبئا ماليا غير مأخوذ في حسبان الشركات القائمة.
وبحسب المدني فان اللجنة تعمل بشكل قريب من الشركات الصناعية الكبرى وتسعى الى معايرة عملياتها بيئيا بالمقاييس العالمية . وتؤكد ذلك مصادر صناعية بأن هيئة حماية البيئة أمهلت شركة نفط البحرين "بابكو" 3 سنوات للالتزام بمواصفات بيئية عالمية ان أردات الاحتفاظ بامتيازاتها التي حصلت عليها في السنوات الماضية مثل شهادة "أيزو".
وفي السياق نفسه فان "بابكو" التي تنفذ خطة تحديثية تسعى في أغلب مشروعاتها الى تلبية متطلبات بيئية عالمية لتتمكن من المحافظة على أسواقها ودخول أسواق جديدة، وجدت صعوبة من قبل المؤسسات المالية التي هي بصدد اقراضها نحو مليار دولار أميركي، قبل التأكد من التزامها بمعايير بيئية معينة وبالتالي قررت الشركة حديثا انفاق 120 مليون دولار لتنفيذ مشروع "ازالة الكبريت من غاز الوقود في المصفاة"، وما تعرضت له "بابكو" يعتبر فاتحا لعيون الصناعيين على أهمية أخذ عنصر البيئة في الاعتبار بجدية حقيقية.
انها معادلة صعبة بالتأكيد في هذه الفترة الحرجة التي تجند فيها المملكة امكاناتها لخلق جاذبية استثمارية تتطلب من بين عوامل كثيرة سرعة استصدار التراخيص، ولكن في المقابل فان التزام المملكة الحالي والمستقبلي بـ "النظافة البيئية" محليا من جهة وباتفاقات دولية ملزمة بيئيا من جهة أخرى، يحتم أيضا عليها الاهتمام بالمعايير البيئية والشروع في تطبيق استراتيجية متكاملة بين جميع أجهزة المملكة ذات العلاقة بما يمكن من خلق وعي بالمسئولية البيئة لدى الأفراد والمؤسسات على السواء.
وحتى يتم ارساء البنية الأساسية لهذه الاستراتيجية من قاعدة معلوماتية وأجهزة قياس حديثة وحساسة للمختلف أنواع التلوث، وتشريعات واجراءات تحقق التوفيق المناسب بين المصالح المختلفة، من المهم أن نبدأ بمعالجة ما تراه العين المجردة وأبرزها السحب الصفراء القاتمة التي تحلق منذ سنوات في سماء عسكر
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ