الأموال الموقوفة بحاجة إلى من يقوم بحفظها، ويدير شئونها، ويتولى صرف ريعها إلى المستحقين، والجهات المخصصة لها من مساجد عبادة وأعمال التقوى والخير وغيرها، لذلك كان من الضروري أن يكون هناك ناظر يتولى هذه الأمور، وأن تكون لهذا الناظر ولاية شرعية، تجعل له القدرة أن يضع يده على هذه الأعيان الموقوفة.
والولاية الشرعية التي نحن بصددها تعطى لأشخاص موصوفين بحسن السيرة والتصرف، ومتجردين عن الأهواء، منتزهين عن الأغراض الشخصية، فإذا توافرت هذه الصفات أعطيت له الولاية الشرعية على الوقف لإدارة شئونه، وتصريف أموره، من استغلال وعمارة، وصرف الريع إلى المستحقين وخلاف هذه الأوصاف ينقلب الوقف إلى أداة انتقام ضد المستحقين، لا إلى أداة نفع لهم، بل وأكثر إلى أداة إساءة وضرر إلى المجتمع بأكمله.
لذلك كان السلف الصالح من أهالي البحرين اختاروا بادئ ذي بدء لإدارة الأوقاف العلماء المجتهدين، فتزامنت أحوال الوقف على أحسن وجه وأكمله وصار الناس ينظرون إلى الوقف بأنه الأداة الصالحة والخير الوفير إلى جميع المستحقين، وتوالت البشائر على الجهات المخصصة، وما كان موجودا من الموقوفات والثمرات إلا نتيجة عمل دؤوب من الآباء والأجداد سلفا، ولا تجد اليوم من الموقوفات إلا ندرة يسيرة لانعدام الثقة في النظارة ولأن تولي شئون الأوقاف أصبحت مناصب شرفية تسند إلى كل من له وجاهة أو صيت، من دون توافر الشروط الشرعية، وكان من نتيجة ذلك أن كثرت الشكايات، وامتلأت الصحف بالمقالات ضد القائمين على الأوقاف مطالبين بتغيير البنية الأساسية للأوقاف، ومحاسبتهم ومحاكمتهم ووضع الرقابة عليهم لما يصدر عنهم من أخطاء يسيرة وجسيمة وما اتخذوه من مسائل الدعاية للنفس، أو مجاملة للصداقة أو إرضاء للحزبية، التي نشأ عنها هبوط للقيم الايجابية هبوطا فاحشا منقطع النظير، أو تنازلات عن بعض فترات الايجارات على حساب الوقف، فلم يكونوا ينظرون إلى الأعيان الموقوفة التي هي أمانة في ايديهم نظرتهم إلى ممتلكاتهم الخاصة. ومن رأيي إلزام المسئولين بالضمان في أموالهم الخاصة لكل خسارة نشأت للوقف، وعزل كل من يثبت تقصيره وخطؤه ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم، ولإنصاف الوقف والمستحقين من قبضة النظارة الخاطئين، ولإحقاق الحق، وإظهار للعدالة التي يأمرنا بها الدين، وإرضاء للضمير
العدد 859 - الثلثاء 11 يناير 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1425هـ