اتجه النقاش التركي في موضوع استراتيجية الأمن القومي إلى تبديل موقع سورية في تلك الاستراتيجية، وكان من نتائج هذا النقاش الذي جرى أخيرا على أعلى المستويات السياسية والعسكرية والامنية انتقال سورية في تلك الاستراتيجية من موقع العدو إلى موقع الصديق، وهذا يعني فيما يعني تبدلا جوهريا في نظرة تركيا إلى العلاقة مع سورية، التي كانت علاقات تركيا معها وصلت حافة الحرب الشاملة في العام . 1998

والاساس في التبدل الاستراتيجي التركي، يستند إلى ثمار ست سنوات من العلاقات الجديدة والجيدة بين البلدين الجارين بعد أزمة العام ،1998 وقد سارت العلاقات السورية - التركية في ثلاث مسارات اساسية، كان الاول فيها الوصول إلى توافقات أمنية، يتعلق الاهم منها بالتسلل عبر الحدود، وهو نشاط كان يمارسه المعارضون من أكراد تركيا وخصوصا أعضاء حزب العمال الكردستاني الذي كان يدير صراعا مسلحا في مناطق جنوب وشرق الأناضول، وبموجب التعاون الامني السوري - التركي جرى وقف التسلل عبر الحدود، وتم فرض قيود مشددة على نشاطات أكراد تركيا في سورية، كما كان من نتائجه اخراج زعيم حزب العمال عبدالله أوجلان من سورية، الأمر الذي مكن من أسره ونقله إلى تركيا عبر عملية استخبارية دولية.

واستمر التعاون الامني السوري - التركي، وتصاعد في اطار الحرب على الارهاب، وسلمت سورية عشرات من الاتراك المقيمين فيها بناء على طلب تركيا بعد عمليات التفجير التي شهدتها اسطنبول قبل عدة أشهر.

والمسار الثاني في العلاقات السورية - التركية، كان في تطور العلاقات السياسية بين البلدين، وتجسد هذا التطور في تقارب سوري - تركي في الموقف من الموضوع العراقي عبر عن نفسه في موقف ظهر في العام ،1998 انضمت اليه ايران، يدعو إلى الحفاظ على وحدة العراق واستقلاله. وقد زادت البلدان الثلاثة إلى موقفها معارضتها الحرب على العراق، ثم ظهر تقارب سياسي سوري - تركي في الموقف من الموضوع الفلسطيني، إذ أظهرت تركيا مزيدا من النقد العلني للممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، وزادت إلى ذلك محاولتها القيام بدور الوسيط من اجل مفاوضات تسوية بين سورية و"اسرائيل". ويكون التعبير الأهم عن التطور الحاصل في العلاقات السياسية بين البلدين حال المشاورات المستمرة بين كبار المسئولين في البلدين، التي لاتقتصر في زيارات دمشق وانقرة، بل تتم خلال الاجتماعات الاقليمية والدولية، التي يحضرها الجانبان.

وتمثل المسار الثالث في تحسن العلاقات الاقتصادية بين سورية وتركيا، وقد تجاوز التحسن العلاقات التجارية بانتقال حجمها من مليار دولار الى نحو ثلاثة مليارات، وهو الحجم المقدر الوصول اليه في خلال عام مقبل، ويضاف إلى ذلك تطور في نمو الاستثمارات في ميادين متعددة دخل على خطها مستثمرون أتراك وسوريون في العامين الاخيرين، فيما أخذت الحدود السورية - التركية وخصوصا في معبر باب الهوا، تشهد حركة نشطة للمسافرين في الاتجاهين، ويحتل الاتراك الرقم واحد من قائمة الاجانب القادمين إلى سورية منذ أعوام كثيرة، وقد تضاعف عددهم أكثر من ثلاث مرات في السنوات الاخيرة.

وأدت التطورات الايجابية في علاقات البلدين إلى تحسن في ملف المياه العالق بين البلدين عن قسمة مياه نهر الفرات، وكان مؤشر التحسن في تصريحات تركية، انه لامشكلة مياه مع سورية، ما يعني استعداد تركيا لاعطاء سورية ما تحتاجه من مياه، لكن السوريين الذين جهدوا في الماضي للتوصل إلى اتفاق مكتوب عن اقتسام مياه الفرات مع تركيا، لم يلتقطوا الكلام التركي، ويحولوه إلى اتفاق على رغم حاجتهم الملحة والمتزايدة لمياه الفرات، ويمكن قراءة الموقف السوري في هذا الجانب على انه اطمئنان للعلاقات المستقبلية بين البلدين.

ان تطورات في العلاقات السورية - التركية على نحو ما حدث بين البلدين، تدفع إلى تغييرات في استراتيجية الجوار السوري - التركي، تغييرات من شأنها تبديل موقع كل طرف بالنسبة إلى الآخر، ليس في نقله من خانة الخصوم إلى موقع الصديق المتعاون، بل في فتح آفاق للتعاون الاستراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية، وخصوصا بالنسبة إلى بلدين جارين مثل سورية وتركيا بينهما كثير من الروابط الممتدة إلى عمق تاريخ يمتد خمسة قرون من الزمن.

غير انه وفي ظل هذا التطور في العلاقات السورية - التركية، فانه لابد من مراعاة ان في مسيرة العلاقات التاريخية بين البلدين، موضوعات مازالت عالقة ينبغي معالجتها، ومنها قضية لواء الاسكندرون الذي اقتطع من سورية عشية الحرب العالمية الثانية، وتم الحاقه بتركيا وتشريد قسم كبير من سكانه العرب. وهناك موضوع تسوية ملكيات مواطني كل بلد لدى الآخر، وكذلك موضوع المياه وفيه كثير من التشعبات والتفاصيل، وهذه القضايا جميعا، يمكن معالجتها في اطار المسار الايجابي للعلاقات السورية - التركية، وحلها سيعزز الثقة بين البلدين، ويدفع علاقاتهما نحو مدى أوسع