اثنا عشرة دولة أخذت من الناحية الشكلية "بالتعددية" السياسية وفسح المجال للانتخابات وحيز من التعبير عن الرأي. ..
والبقية مازالت تعيش نمط "الواحدية"... وهذا ما يطلق عليه المفكر السيدسعيد بـ "التعددية المقيدة".
يضاف إلى ذلك رأس المال الخليجي الذي يحرك وسائل الإعلام المؤثرة على الساحة العربية، وهذا التمويل يعتمد الهدف السياسي حتى لو لم تربح هذه المؤسسة أو تلك ماليا، لأن العائد السياسي هو الأهم بالنسبة إلى من يقف خلف المشروعات الاستراتيجية.
النموذج التسلطي "تخشب" في خطابه وفقد قوة دفعه، والخطاب الرسمي أصبح مستهلكا وغير قادر على إعادة الإنتاج لأنه مفلس ولم يعد يؤثر في الجمهور، وفي المقابل فإن الخطاب المتطرف والرافض لمظاهر التعددية والديمقراطية يسيطر على الشارع العربي والإسلامي تحت رايات دينية... هذه واحدة من وجهات النظر التي تداولها مؤتمر "الإعلام العربي في عصر المعلومات" الذي عقده مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بين 9 و11 يناير/ كانون الثاني الجاري.
الخبير الأميركي مايكل هودسون تحدث عن تضارب وجهات النظر بين المشروع الأميركي للشرق الأوسط وتلك التي تبثها النخبة العربية من خلال محطة "الجزيرة". فالأميركان ينظرون إلى ضرورة الإصلاح حتى لو احتاج الأمر إلى القوة لقمع حركات الإرهاب.
بينما النخبة العربية التي تبث صوتها من خلال "الجزيرة" تطرح أن أميركا دولة تسعى للهيمنة وتدمير الهوية العربية والإسلامية وهي تعطي المؤشرات المشجعة لمن يود مناهضة المشروع الأميركي سلميا أو عسكريا.
وقال إن العلاقة بين الإدارة الأميركية ومحطة "الجزيرة" كانت علاقة حب وغرام في بدايتها. وتحملت أميركا وجهة النظر المطروحة على "الجزيرة" قبل حوادث 11 سبتمبر/ أيلول .2001
وبعد ذلك عند غزو أفغانستان، بدأت الإدارة الأميركية تكره "الجزيرة" وتعتبرها واحدة من الأصوات العدوة التي يجب اخمادها.
الشرق الأوسط اذا يعيش في ظلال عدة خطابات في آن واحد... خطاب رسمي "متخشب"، وخطاب إسلاموي رافض لكل شيء، وخطاب أميركي يدعو إلى الإصلاح على طريقة العصا والجزرة، وخطاب تتصدره "الجزيرة" وهو يتقاطع مع الخطاب الإسلاموي الرافض، والخطاب القومي القديم الداعي إلى مناهضة الاستعمار، وكذلك مع الخطاب الليبرالي الداعي إلى الديمقراطية. وهذا الخلط في الخطابات يضمن لـ "الجزيرة" جمهورا من المشاهدين العرب، ولكن يطرح تعقيدات من نوع آخر تجتذب الكثيرين الذين يتابعونها حتى لو كانوا يلعنونها.
الأميركان ينظرون إلى "الجزيرة" على أساس أنها حركة سياسية معادية كما ينظرون إلى محطة "المنار" التي أصبحت ممنوعة في أميركا وأضيفت إلى قائمة "المنظمات الإرهابية".
والعرب يعوضون حرمانهم من الانتماء إلى أحزاب عروبية جامعة من خلال محطات مثل "الجزيرة" ومثل "العربية"، وعلى هذا الأساس سعت أميركا إلى إنشاء حركتها السياسية في العالم العربي باسم محطة "الحرة".
التطور التكنولوجي إذا أعاد الحياة إلى الحركات السياسية على مستوى الوطن العربي ولكن بلباس آخر يتخذ من المحطات الفضائية أسلوبا في الوصول إلى الجماهير وهي وسائل لم تكن متوافرة لدى الأحزاب السياسية العربية التي تهاوت بسبب "تخشبها" في إطار الماضي.
واذا كنا ننظر إلى "الجزيرة" و"العربية" وغيرهما كأحزاب سياسية ونطاق عملها هو الوطن العربي فإن ذلك يعني أن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" عليه أن يربح معركته مع مشروع "الوطن العربي الكبير" الذي فشل في الماضي ولكنه يعود بلباس آخر وبصورة غير متوقعة.
المشروعان يتعايشان على اجتذاب أو محاربة جمهور هذه المنطقة الذي يتحرك على أساس خطاب إسلاموي رافض لا يهتم بالدنيا ومن عليها ويدعو إلى مغادرتها بعد تخريبها على أصحاب الخطابات المتخشبة أو المتأمركة.
الضحية لكل هذه الخطابات هم ابناء هذه المنطقة التي انعم الله عليها بخيرات كثيرة مازالوا محرومين منها ومازالت بلدانهم في مؤخرة التقدم الإنساني في مختلف المجالات
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 859 - الثلثاء 11 يناير 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1425هـ