مضحك مبك حال مجلس النواب، ولا يدري المرء هل هذا المجلس يمارس الاستغفال للناس أم أنه يستغفل نفسه. فتمريره قانون بمثل خطورة قانون الخدمة المدنية بما فيه من بنود مقيدة للحريات، وما فيه من حماية للمفسدين الذين يستغلون مناصبهم، ويريدون التستر عليها بتكميم أفواه موظفي القطاع العام، لا يشفع لهم فيه أن القانون مر على غفلة منهم، فقد مرت قوانين على علم منهم أيضا، وأرادوا تمرير قوانين مخالفة لإرادة الناس، ومنها قانون الجمعيات السياسية وقانون التجمعات العامة، فما يحصل في مجلس النواب من ممارسات غريبة ليس بجديد.
والسؤال: هل تكون همة أعضاء مجلس الشورى ونباهتهم أكثر من أعضاء مجلس النواب في الدفاع عن حريات الناس حين التفتوا إلى الثغرات الخطيرة في قانون الخدمة المدنية؟ أم أن الحال في مجلس النواب سيئ للغاية إلى الدرجة التي أصبح فيها أعضاء مجلس الشورى أكثر غيرة منهم على مصالح الناس؟ وهنا، لا ينفع حديث النائب الأول عبدالهادي مرهون مع كامل الاحترام له أن تمرير بنود قانون الخدمة المدنية المختلف عليها معناه أن على قلوب وأبصار النواب والشورويين غشاوة، فالغشاوة كانت عليهم منذ البداية، وستبقى تجللهم حتى النهاية.
ترى: ما هي صدقية أعضاء مجلس النواب إذا طلبوا لجان تحقيق في دائرة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، وهم يكممون أفواه موظفيها بهذا القانون؟ ففي دولة الكويت مثلا، يجوز للنواب أن يستعينوا بمن يشاءون من موظفي الحكومة في أي ملف من ملفات الفساد، أما هنا، فنوابنا يمررون إن غافلين أو عالمين قانونا يكمم أفواه الموظفين، ويعودونهم عادات الخوف التي تعودوها في ظل قانون أمن الدولة، فماذا بقي للنواب من صلاحيات رقابية، فضلا عن الصلاحيات التشريعية المعدومة؟ وماذا بقي لهم من دور يمثلون به الناس؟ وماذا بقي لهم من دور ليكونوا موجودين في مجلس النواب من الأساس؟
العدد 858 - الإثنين 10 يناير 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1425هـ