العدد 858 - الإثنين 10 يناير 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1425هـ

جمال عبدالرحيم... فراشة تنسج خيوط الألوان والكلمات

في معرض نصوصه المرئية

المنامة - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

هناك في معرض الفنان جمال عبدالرحيم "الكتب. .. نصوص مرئية" المقام في مركز الفنون شيء مختلف، وأسباب هذا الاختلاف تعود الى ذلك الاحساس الفطري بأهمية العلاقة الوشيجة بين الفنان وغيره من كتاب الكلمة.

فكيف لو تحولت هذه العلاقة الى ما يشبه الدرس اليومي الذي يحفظه الفنان عن ظهر قلب؟! وكيف لو علق الفنان لوحاته على الجدار فقابلها كتاب ضخم ضم بين صفحاته قصائد رائعات لشعراء مؤثرين في حياتنا الثقافية والفنية؟!. لا شك أنها ستكون نتيجة مرضية ليس للفنان وحده وانما للشاعر أيضا. فتلك الأعمال قليلة بين الفنانين التشكيليين وبين الشعراء والكتاب خصوصا مع عزوف الفنان البحريني عن هكذا علاقة. ولنا أن نتساءل هنا، هل أعيت الحيلة الفنان جمال عبدالرحيم فلم يجد من شعراء البحرين من يستطيع التواصل معه ليختار أسماء من خارجها، لا نعلم حقيقة ذلك وان كنا نتمنى منه لو قدم هذه الأسماء الكبيرة من حياتنا الثقافية في البحرين.

فضاء القصيدة

ومع ذلك يبدو حضور أسماء كبيرة في المشهد الشعري العربي حضورا غير فج وانما هو تواصل لا مناص منه إذ إن أشباح المتنبي، أدونيس، السياب، نزار قباني، بلند الحيدري، أمل دنقل، يوسف الخال تتفيأ واجهة المعرض سعيدة بذلك الحضور. ففي مقدمة كتاب "فضاء القصيدة" الذي جمع فيه الفنان جمال عبدالرحيم صورا مرئية تشكلت عبر لغته من خلال فضاءات قصائد لشعراء من العربية كتب أدونيس "لنتخيل الآن أمامنا لوحة لجمال عبدالرحيم تقابلها قصيدة لنزار قباني. ننظر إلى اللوحة فنرى علامات ظاهرة هي ألوانها، تقودنا مباشرة إلى داخلها أو إلى معناها. وننظر إلى القصيدة فنرى علاماتها الظاهرة التي هي الكلمات تحتاج على العكس إلى نظرة أخرى مختلفة إلى قراءتها، لكي نتمكن من الوصول إلى داخلها أو إلى معناها. فمعنى اللوحة ظاهر في شكلها، ومعنى الثانية باطن في كلماتها. والصلة بين اللون والواقع مرئية، هناك مرجعية ومشابهات. أما الصلة بين الواقع والكلمة فهي واقعية. لا مرجعية ولا سند لها. الصلة تجريد خالص، مضمرة، غير مرئية".

وتساءل "كيف يتحاور اذا معنيان لكل منهما لغته الخاصة، ومعرفته الخاصة في التعبير؟ أحدهما ظاهر والآخر باطن؟ أو كيف يتحاور المرئي واللامرئي؟ هذا ما تحاول أن تجيب عنه، بطريقتها الخاصة، تجربة جمال عبدالرحيم. فاليوم يدخل جمال عبدالرحيم إلى ساحة هذا الحوار مسكونا بهاجس مزدوج: استقصاء الدلالة الفنية التشكيلية في الشعر، وبناء اللون بشعرية تشكيلية. فبعد أعماله الباذخة عن "الكتاب" لأدونيس، يقدم لأصدقائه ولعشاق الشعر والرسم، حواراته مع الشعراء العرب، بادئا بخمسة منهم: بدر شاكر السياب، نزار قباني، بلند الحيدري، أمل دنقل، يوسف الخال".

وأوضح "ان اللقاء الذي يتم هنا بين العمل الشعري والعمل التصويري في فضاء مشترك يغني كلا من هاتين الطريقتين في التعبير الفني، ويوصل الائتلاف بينهما إلى ما يكاد أن يشكل فنا آخر، أو طريقة أخرى في التعبير. فهو، عدا أنه يولد إحساسا أكثر غنى وتعقيدا من الإحساس الذي تولده القصيدة وحدها، أو الصورة وحدها، يأتي ويذهب، يختفي ويظهر في لعب بارع من التصادي بينهما، تقاطعا أو تجابها، جهرا أو همسا، اختلافا أو ائتلافا، مما يكاد أن يكشف عن مادة فنية تتحرك بين الكلمة واللون بين إيقاع الكتابة وإيقاع التشكيل، وتتحول باستمرار. هكذا يخيل إلينا أن الكتاب الذي يضم القصيدة واللوحة داخل هذا الحوار، يخلق وسيطا خاصا للتعارف بينهما، وللصداقة، والتآلف والوحدة، بحيث ترى كل منهما نفسها في الأخرى".

رسائل قصب

ذلك الحوار الذي أشار اليه أدونيس أغرى جمال عبدالرحيم بحوار آخر أجراه مع المتنبي فتبادل معه "رسائل قصب" وأوضح "بين المرسم والمكتب ثمة أرواح تتطاير/ أرواح تطوف بين الألوان والفرشاة والمكبس، والأحبار/ أرواح تتخاطفني بين لون يعبر ذاكرتي، بين لوحة تتشظى، بين بيت شعر يردده قلبي/ أنا المغرم بالشعر وبالجنون". "في هذا المساء، حين هدأت يداي عن اللون/ كانت روحي تغدو بين المكتبة التي أضعها بين وسادة الروح كي أنام مطمئنا على ما أنجزته قبل الموت الذي أنتظر/. كنت في الغفوة والأرواح التي أعرفها في مخدع النوم تحلق في الغرفة/. أرواح تشبه الأصدقاء والشعراء/ يستقر بي حزن ظاهر، لم تقو الألوان على مكابدته. رأيت كائنا وقد طمر رداءه بألواني التي أعرفها/ وجبة تطرزها اشاراتي، وسيف في غمده عليه محفوراتي/ كان المشهد مثل عمل فني لم أنجزه بعد. كان مشهدا زاهيا بمعطياته التشكيلية التي يمكن أن تغري أي فنان بالنهوض من فراش أحلامه ليبدأ بتخطيطات جديدة لمشروع جديد/. الا أن هذا الكائن تقدم مني وأنا مستسلم في نعومة اللحظة، قال لي: كيف تنظر لي، هل أستحق أن أكون مشروعا فنيا لك؟ خذ هذا الكتاب لتعرفني".

وهنا أتى صوت محمد الصفار وخالد الرويعي وهما مستسلمان لتلك الكلمات ليتبادلا الرسائل بين الفنان جمال عبدالرحيم والشاعر المتنبي فما أن يلهج الفنان بحبه للمتنبي حتى يكون شعر المتنبي حاضرا. قال الفنان "من بين رفوف الكتب كان كتابه الذي يستهوي قلبي" ورد المتنبي "أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي، وأسمعت كلماتي من به صمم/ أنام ملء جفوني عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصم". فقال الفنان "كم أنت رائع أيها الشاعر حلق نحوي" وأنصت الفنان لصوت المتنبي "لا بقومي شرفت بل شرفوا بي، وبنفسي فخرت لا بجدودي/ وبهم فخر كل من نطق الضاد، وعوذ الجاني وغوث الطريد" وسأله الفنان من جديد "وماذا أفعل أيها الشاعر؟" فقال المتنبي "اذا غامرت في شرف مروم، فلا تقنع بما دون النجوم".

وهكذا يستمر الفنان جمال عبدالرحيم في مناجاته العذبه مع الشاعر المتنبي وفي سبحاته الوجدانية الخالصة مع أرواح الشعراء





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً