لن تنجو «إسرائيل» والولايات المتحدة والدول الأوروبية المنحازة عبر العصور من فضح جرائمها وتسترها على انتهاكات حقوق الإنسان لدى الشعوب المستضعفة مادام هناك رجال شجعان في كوكبنا لا يخافون لومة لائم في قول الحق رغم تخاذل المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي الذي تهيمن عليه هذه القوى سالفة الذكر.
من هؤلاء الأبطال الذين نحن بصددهم المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فالك الذي أوصى في تقرير الأسبوع الجاري بإجراء «تحقيق خبراء» للتعرف على ما إذا كان تم ارتكاب جرائم حرب أو أعمال غير قانونية أخرى في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. أورد فالك أن «إسرائيل» لم تستنفد الخيارات الدبلوماسية المتاحة أمامها قبل شن ذلك العدوان الهمجي الذي راح ضحيته 1434 شهيدا منهم 960 مدنيا غالبيتهم أطفال ونساء. وأوضح أن هناك اشتباها بأن الدولة العبرية لم تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية كما لجأ الجيش الصهيوني عن عمد إلى استخدام قوة غير متكافئة ولم يسمح للاجئين الفلسطينيين بالهروب من منطقة القصف.
ورغم أن تقرير فالك كان يمكن أن يكون أقوى مما كان عليه حيث يبدو أقرب إلى الدبلوماسية منه إلى الجزم بالحقيقة، إلا أنه جاء في وقت تعد فيه كثيرا من الجهات الفلسطينية والأجنبية نفسها إلى رفع دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين. هذا التقرير ربما شجع منظمة هيومان رايتس ووتش إلى إصدار تقرير مماثل قالت فيه إن استخدام «إسرائيل» للفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان قد يشكل جريمة حرب.
ورغم أن تقرير فالك يعد تراجعا عن مواقفه السابقة إلا أن الدولتين المتغطرستين أميركا و»إسرائيل» رفضتاه بشدة. وقالت الولايات المتحدة وربيبتها أن مقرر حقوق الإنسان الأممي رجل منحاز. ومضتا أكثر من ذلك بأن «هذا النوع من التقارير لا يخدم أبدا حقوق الإنسان ويستخدم سياسة حقوق الإنسان أداة».
يعتبر هذا الموقف وخصوصا من قبل الولايات المتحدة متناقضا مع ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت وود حينما سأله الصحافيون عن موقف واشنطن من مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيف الرئيس السوداني إذ رد بقوله «الولايات المتحدة ظلت تقول دائما إنه يجب أن يحاسب كل من ارتكب جرائم حرب!».
إنه منطق «أحرام على بلابله الدوح... حلال للطير من كل جنس».
ومع ذلك لن تستطيع هاتان الدولتان المارقتان عن القانون الدولي تكميم أفواه الأحرار من أمثال فالك، فقبله وأثناء العدوان على غزة انتفض السياسي المخضرم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميغيل ديسكوتو بروكمان ضد الطغاة وهاجم «إسرائيل» بشدة وكذلك مجلس الأمن الدولي لتواطئه مع العدوان، بل وطالب بضرورة محاكمة القادة الصهاينة. هذا الزعيم النيكاراغوي ظل يناكف الولايات المتحدة ويفضح جرائمها لأكثر من عقدين. وكانت بداية معركته معها في العام 1984 عندما رفع دعوى قضائية ضدها أمام محكمة العدل الدولية لقيام واشنطن بدعم الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية ضد بلاده حيث حكمت المحكمة آنذاك لصالحه.
وحديثا هاجم أميركا لتصويرها بعض الرؤساء، كالإيراني محمود أحمدي نجاد، على أنهم شياطين في حين أنها مجدت الدكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس والدكتاتور النرويجي السابق اناستاسيو سوموزا والدكتاتور التشيلي السابق اوجستو بينوشيه وساندت نظام صدام حسين في حربه على إيران قبل أن تقلب له ظهر المجن.
لم يكتف بروكمان بهذا بل أسف بشدة لصدور مذكرة توقيف البشير لأن الاتهام جاء بعد أن طالب الاتحاد الإفريقي (الذي يضم 53 دولة) والجامعة العربية (التي تضم نحو 22 دولة) بضرورة تأجيل القضية لإعطاء فرصة للسلام الهش في السودان.
وفي القائمة أبطال آخرون خدموا قضايانا بمواقفهم المشرفة ومنهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، والجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا (الذي هاجم جورج بوش وطوني بلير بشأن الحرب على العراق)، والنائب البريطاني جورج غالاوي الذي يعجز القلم عن تسطير فضله على القضية الفلسطينية. فهذا الأخير يعتبر صديقا نادرا للعرب رغم أنه لا مصلحة له فيهم. وآخر ما قام به هذا الرجل قيادته لقافلة «شريان الحياة» لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة الشهر الجاري حيث قطعت مئات الأميال عبر ثماني دول بطرقها الوعرة. وتتكون القافلة من 200 سيارة من المساعدات. وسلم غالاوي مبالغ نقدية لقادة «حماس» وأطلق خطبته الشهيرة بأن إسماعيل هنية ليس رئيس وزراء للفلسطينيين وحدهم بل لجميع الأحرار في العالم رغم أنف الدول الغربية. ومعلوم أن غالاوي فجر ثورة قبل وبعد الحرب على العراق وهاجم الأميركيين وأفحمهم في عقر دارهم عندما استدعوه في الكونغرس الأميركي.
لله درهم من رجال هؤلاء رغم أنهم لا يدينون بديننا ولكن ذكرونا بأبطال سابقين نصروا الإسلام في صدر الدعوة من أمثال أبوطالب والنجاشي وغيرهما. فهل سينتبه قادة العالم العربي والإسلامي لهؤلاء المعاصرين ويدعمونهم لأنهم في المقابل يتعرضون إلى ضغوط كبيرة وابتزاز وتشويه سمعة... نأمل ذلك.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2395 - الجمعة 27 مارس 2009م الموافق 30 ربيع الاول 1430هـ