العدد 2395 - الجمعة 27 مارس 2009م الموافق 30 ربيع الاول 1430هـ

الثابت والمتحول في المشهد السياسي البحريني (2-2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد أن سردنا قائمة الثوابت، ننتقل منها إلى قائمة المتحولات في المشهد السياسي البحريني، والتي يمكن تشخيصها على النحو الآتي:

أول المتحولات في المشهد السياسي البحريني وأشدها خطورة، هو أن السلطة التشريعية، والتي هي البرلمان، لاتزال في أطوارها الجنينية، ولم تتطور بعد، وحتى الآن كي يصبح استمرارها بمثابة المسلّمة التي يستحيل غيابها من قائمة القوى الفاعلة في الساحة السياسية.

من الطبيعي أن يستغرق انتقال البرلمان من حالته الآنية المؤقتة، إلى محطته الراسخة الثابتة، مراحل تاريخية تستدعي الكثير من التضحيات، وتتطلب الشديد من الصبر.

يمكننا أن نذهب إلى القول بصحة ذلك، استنادا إلى تجربة المجلس التأسيسي، والمجلس الوطني، في السبعينيات من القرن الماضي، حين لم تكتف السلطة حينها، وانسجاما مع موجة القمع التي سادت البحرين حينها بأن تطيح بالمجلس الوطني، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أدخلت البلاد في نفق «قانون أمن الدولة» الذي كاد بعد تطبيقه لما يزيد على ربع قرن من الزمان أن يتحول إلى ما يشبه المعلم من معالم تاريخ البحرين السياسي.

ثاني المتحولات هي موازين القوى السياسية وتوزيع الفئات الاجتماعية الملتحقة بها، فاليوم تسود الساحة السياسية البحرينية تيارات الإسلام السياسي المختلفة، وبأجنحتها المتعددة، وارتباطاتها العقيدية المتباينة، بعد أن كان الأمر مختلفا عما هو عليه اليوم.

فعلى امتداد الفترة من الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات، كانت السيادة للتيارات القومية والعلمانية، بمختلف تلاوينها وانتماءاتها الفكرية والسياسية. ولو عدنا إلى انتفاضة مارس/ آذار 1965 -هناك اختلافات حول يوم انطلاق الانتفاضة، حيث يؤرخ لها البعض باليوم الخامس، وآخرون باليوم الثامن، ومؤخرا أخبرني أحد الأصدقاء أن هناك تاريخا ثالثا يستحق النظر في صحته-، لوجدنا أن دعائمها الأساسية التي تشكلت منها الجبهات المختلفة كانت القوى العلمانية والقومية. هذا يعني أن هناك دورات تاريخية تمر بها البلاد تتداول فيها التيارات الفكرية سيادتها على الفكر السياسي قبل أن يهدأ المجتمع وتستقر قواه السياسية والاجتماعية، وتأخذ التحولات أشكالا ثابتة إلى حد بعيد.

ثالث هذه المتحولات، هو الانتقال من العمل الحزبي السري، إلى العمل السياسي العلني، فعندما يسود الانفراج، ويجري العمل وفق القوانين والأنظمة التشريعية والدستورية، يفقد العمل السري كل مبرراته، بل وحتى جدواه، لكن حينما تنقلب السلطة على وعودها، وتعود إلى العمل بآليات قانون أمن الدولة وذهنيته، تنضج الظروف لدعاة العمل السري، وتعود إلى الانتشار أساليبه، التي أثبت تاريخ البحرين عدم جدواها، وارتفاع قيمة الضرائب التي تدفعها الجماهير عند الاضطرار للعمل بها.

تبقى هناك ضرورة ملحة تدعونا إلى الإشارة هنا إلى أن السلطة هي التي بيدها عنصر المبادرة والفعل، في حين لا تستطيع المعارضة سوى اللجوء إلى رد الفعل، الأمر الذي يضع على عاتق السلطة أكثر من سواها من القوى الفاعلة في الساحة، مسئولية اختيار المعارضة إلى أي من الأسلوبين تلجأ.

رابع هذه المتحولات هو دور القوى الاجتماعية غير المنظمة في العمل السياسي، ففي مراحل تكاتف المعارضة، تنضوي تحت رايتها مختلف الفئات الاجتماعية المسيسة غير المنظمة، وتنجح المعارضة في حشد قوى كثيرة تعينها على انتزاع المزيد من المكاسب لصالح أوسع مساحة ممكنة لمختلف الفئات الاجتماعية، لكن في مراحل تشتت المعارضة وتشرذمها، تنكفئ تلك القوى المستقلة، وتتحاشى المساهمة في التيار الوطني، لأسباب متعددة، لعل أكثرها أهمية هو حرصها على عدم تغليب تيار على آخر. ومن الطبيعي أن تحتل السلطة المواقع الهجومية في مراحل تشرذم المعارضة، وبالقدر ذاته تضطر إلى الانكفاء إلى خنادق الدفاع عند تماسك المعارضة وتلاحمها.

خامس هذه المتحولات هو علاقات البحرين، حكومة وشعبا بالدول المجاورة، فعندما تزداد اللحمة الوطنية، تتقلص كثيرا فتحة نفاذ القوى الخارجية المجاورة -بل وحتى العالمية منها- إلى الداخل، ويتحول الموقف الوطني إلى كتلة متماسكة يستحيل اختراقها. لكن حينما تغلب الصراعات الداخلية على الخلافات مع القوى الخارجية، تضطر القوى السياسية جميعها، حكومة ومعارضة إلى الاستفادة مما توفره لها الدول المجاورة من أشكال اللجوء أو الدعم. وتاريخ البحرين المعاصر مكتظ بمراحل هجرة وعودة المعارضة من وإلى البحرين. هذه الهجرة والهجرة المعاكسة مارستها المعارضة البحرينية في الخمسينيات عندما سادت موجة القمع التي تلت تصفية هيئة الاتحاد الوطني، ثم شاهدناها في الستينيات إبان مواجهة انتفاضة مارس 1965، وفي المراحل التي تلت ذلك وفيما بينها، استمرت حركة المد والجزر في صفوف المعارضة وفقا للظروف التي تسود البلاد. فعندما يشتد القمع يهاجر بعض أجنحة المعارضة، وحينما يتلاشى أو حتى يتراجع القمع تعود المعارضة من المهاجر إلى أعشاشها، كي تمارس واجباتها الوطنية.

سادس تلك المتحولات، العلاقة بين الطائفتين، ففي مراحل نضوج المعارضة وتصديها للمهمات الوطنية الرئيسية، كما في مراحل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تتراجع الطائفية وفتنها إلى الخلف، كي تحل مكانها المطالب الوطنية الكبرى، وتسود العلاقات الطيبة الصحيحة بين الطائفتين، والعكس صحيح تماما، ففي مراحل تناحر المعارضة، وفي حالات تسلط ضيق الأفق على استراتيجيتها، تنتشر كالفطر السام المطالب الطائفية الضيقة التي تدخل الوطن والمواطن في دياجير صراعات ثانوية، تبدو في مراحل معينة، وكأنها ذات مكانة استراتيجية. ولعل هذه المرحلة من المراحل التي بتنا نلمس بذور غلبة الطائفية على الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2395 - الجمعة 27 مارس 2009م الموافق 30 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً