استكمالا لحديث "الأربعاء" الماضي عن الأزمة البحرينية - السعودية بشأن إبرام اتفاق التجارة الحرة بين المنامة وواشنطن. أعتقد أنه آن الأوان للحديث بصراحة عن طبيعة هذه العلاقات وتحديد المطلوب من الجانبين، وإذا كانت المرئيات السعودية ظهرت بشكل كبير وواضح خلال الآونة الأخيرة فإنه من المهم جدا أن يحدد البحرينيون ماذا يريدون من علاقاتهم مع الرياض وما المصالح المشتركة التي تربط البلدين؟
هذا الموضوع الحساس، الذي من النادر أن يثار، بحاجة - كما ذكرنا سلفا - إلى مناقشة موضوعية علمية، تحدد أوجه الضعف والخلل في هذه العلاقة، وفي الوقت نفسه تثير إيجابياتها وسلبياتها. والأزمة الأخيرة من الأهمية بمكان تجاوزها، فما قامت به المنامة ليس جديدا على صعيد السلوك السياسي الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي، فهناك الكثير من الاتفاقات والبروتوكولات التي وقعتها دول المجلس بشكل ثنائي من دون الرجوع إلى المجلس سواء كانت في المجالات الأمنية أو الدفاعية أو حتى الاقتصادية وهي بذلك تتجاوز الاتفاقات والالتزامات الخليجية المشتركة التي أقرها القادة في مختلف اجتماعاتهم على مستوى المجلس الأعلى.
وليس من الصعب أن تتجاوز بلدان المجلس، وتحديدا البحرين والسعودية هذه الأزمة العابرة، فقد شهدت العلاقات الخليجية - الخليجية أزمات أكبر من ذلك بكثير واستطاعت تجاوزها، ومثالها الأزمة السعودية - القطرية، والأزمة البحرينية - القطرية وغيرهما. ومن الحلول التي يمكن تقديمها في هذا السياق الطرح المتداول في الوقت الراهن لدى بعض الدوائر السياسية وهو أن يقوم المجلس الوطني بالتصديق على اتفاق التجارة الحرة ولكن بشكل مشروط بحيث يتم ربط تنفيذ الاتفاق بتوقيع بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي اتفاق التجارة الحرة "ئشء" مع الولايات المتحدة وهو ما يتوافق مع المساعي الأميركية لإقامة مناطق تجارة حرة أخرى مع بقية بلدان المجلس، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في تأخير التنفيذ، بل من المحتمل أن يكون تنفيذ الاتفاق بشكل سريع بسبب الجهود المكثفة التي ستبذلها الولايات المتحدة للإسراع بتوقيع هذا الاتفاق مع بقية البلدان الخليجية. بهذا المخرج التوفيقي بالإمكان إنهاء أية خلافات أو تباين في وجهات النظر قد تنشأ جراء الاتفاق البحريني - الأميركي، وفي النهاية ستكون هناك حلول على الخبراء مواءمتها مع اتفاقات التكامل الاقتصادي الخليجي.
عودة مرة أخرى إلى المطلوب في العلاقات البحرينية - السعودية التي حان الوقت لإعادة صوغها من جديد، بحيث يزيد الهامش المتاح للمنامة لممارسة دور على صعيد السياسة الخارجية في ظل التطورات التي يشهدها النظام السياسي البحريني، وخصوصا أن الأخير واجه تحديات سياسية جمة طوال السنوات الثلاثين الماضية حتى ظهر المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولكنه بعد أن شارف على الانتهاء من تحقيق قدر لا بأس به من الإصلاح والاستقرار السياسي ظهرت تحديات أخرى كانت نتيجة التراكمات السابقة وهي كم هائل من المشكلات الاقتصادية التي لابد من الشروع في معالجتها اليوم قبل الغد عن طريق تحرير التجارة وتفعيل القدرة على استقطاب الاستثمارات. وإذا ظلت العلاقات الخليجية والإقليمية للبحرين عائقا أمام معالجة هذه التحديات فإن هناك تحديات خطيرة لن تواجه النظام فحسب وإنما بالإمكان أن تهدد وجود كيان الدولة.
وفي النهاية فإنه لابد من تأكيد أهمية العمق السعودي في السياسة الخارجية البحرينية، فعوامل الجيوبوليتيك تحتم على البحرين تقوية روابطها مع السعودية وبقية بلدان مجلس التعاون الخليجي قبل غيرها من القوى الإقليمية والدولية
العدد 856 - السبت 08 يناير 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1425هـ