ما هي الدلالات التي يحملها رفض المحكمة الدستورية للطعون التي قدمتها هيئة دفاع المسئول الإعلامي في جمعية العمل الديمقراطي ورئيس تحرير نشرة "الديمقراطي" رضي الموسوي "ضد قانون الصحافة والنشر وقانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية؟".
هل ستتحول القضية مرة أخرى إلى قضية جنائية أمام المحاكم الجنائية مع ظهور تهم جديدة بحق المسئول في وزارة الإعلام من غسل أموال وغيرها تؤكد ما ذهب إليه الموسوي في إدانته له؟
لماذا ظهرت هذه الإثباتات ضد المسئول في وزارة الإعلام مع رفع القضية إلى المحكمة الدستورية، ولم تظهر قبل ذلك حينما أدين بها من قبل الموسوي؟ هل السبب هو أن القضية ضد "الموسوي" كما هي القضية ضد صحيفة "الوسط" سياسية وليست جنائية، وقد استخدم القانون لضرب الموسوي كما استخدم لضرب "الوسط"، ولحماية هذا القانون تم رفض الطعن، ولكي لا تتحول القضية إلى قضية رأي عام، قدم المسئول في وزارة الإعلام "قربانا" للقانون من خلال تأكيد التهم عليه؟
الطعون الدستورية، لو كانت الجمعيات المقاطعة تحديدا تدرك أهميتها، لحولتها إلى قضية رأي عام، وحركت الجماهير باتجاهها، إلا أنها تضامنت بشكل شخصي مع الموسوي من منطلق مجاملات الجمعيات الأربع مع بعضها بعضا، وتم تناسي القضية من الأساس، وكان بالإمكان ألا تكون هذه القضية تخص جمعية العمل الديمقراطي لوحدها، وإنما تخص الجمعيات الأربع التي قاطعت الانتخابات النيابية، لأنها تقول إن الأطر الدستورية الحالية غير قادرة على تحقيق ما يصبو إليه الناس من طموحات، والطعون الدستورية مثال عملي يمكن أن يشكل في حد ذاته أداة مهمة في اختبار النظام الدستوري الحالي وكل إمكاناته وسقوفه التي يتحرك فيها، إلا أنها أضاعت الفرصة.
الجمعيات الأربع المقاطعة أيضا لم تتضامن عمليا مع "الوسط" في طعونها التي قدمتها في قوانينها الثلاثة نفسها، كما لم تتضامن حتى في الإطار الشخصي حينما جرجر صحافيوها إلى المحاكم، في حين أنها تطلب من "الوسط" التضامن معها في قضاياها، وهذا الخلل في إدراك حجم المسئوليات التي تقع على عاتق الجمعيات المقاطعة في القضايا التفصيلية المحورية التي لا يلتفت إليها الناس، سبب في غياب الكثير من الفرص الثمينة لإنجاز المهام الدستورية التي وضعتها الجمعيات على عاتقها، وكل ذلك نتيجة اختصار العمل السياسي في أشخاص وبشكل مرتجل.
بعد ذلك، يمكن الإجابة على الأسئلة التي تقدم بها المقال، عبر التأكيد أولا أن رفض الطعون الدستورية التي قدمتها هيئة دفاع الموسوي مقدمة لرفض طعون "الوسط" لتشابه أسباب الطعن، ولكن ذلك لا يلغي أهمية "الطعون الدستورية" في نفسها، ولئن كان برود الجمعيات في التعاطي مع هذه القضية، وعدم تحويلها إلى قضية رأي عام على رغم خطورتها، سببا في جعل التعاطي مع رفض الطعون الدستورية من قبل المحكمة الدستورية باهتا، فهذا لا يعني أبدا أن "الطعون" في حد ذاتها كأداة اختبار للنظام الدستوري الحالي قد فقدت فاعليتها.
هناك فرصتان ثمينتان لتثبيت فاعلية الطعون الدستورية في العمل السياسي والحقوقي والقانوني، الأولى: هي موعد رد المحكمة الدستورية بعد 15 يوما من رفض الدعوى بنشر الرد في الجريدة الرسمية، والذي ينبغي فيه أن تبين الأسباب التي دعتها إلى رفض الطعون في القوانين الثلاثة، وهذه مناسبة ليستعرض محامونا الوطنيون أسباب المحكمة الدستورية في رفض الطعن، ويعطوا رأيا قانونيا صرفا في هذا المجال، وخصوصا بعد أن قدمت هيئة دفاع الموسوي مذكرة من 42 صفحة تشرح فيها أسباب الطعن. أما الثانية: فهي التضامن الشعبي والمؤسساتي مع قضية "الوسط"، والطعون التي قدمتها في القوانين الثلاثة نفسها، والبناء في ذلك على ما ستستعرضه المحكمة الدستورية من أسباب في قضية الموسوي، لتشابه أسباب الطعن بين قضية "الموسوي" وقضية "الوسط".
إن من أهم الدلالات التي يحملها رفض المحكمة الدستورية إلى الطعون في القوانين الثلاثة، في قبال تثبيت التهم الجنائية على مسئول وزارة الإعلام للتخلص من الشق الجنائي في قضية "الموسوي" على طريق تبرئته لكي لا تتحول القضية إلى قضية رأي عام، هي النقاط الآتية:
أولا: قطع الطريق على أية طعون دستورية مستقبلية في حزمة القوانين "56" التي أصدرت بمراسيم قبل الانتخابات النيابية وانعقاد المجلس الوطني، وذلك لتشابه أسباب صدورها، وإمكان الطعن فيها جملة وتفصيلا، ما يعني أن قطع الطريق على هذه الطعون والطعون المستقبلية ومن أعلى هيئة قضائية في البلاد، فيه تأكيد على التشبث بهذه القوانين المقيدة للحريات، وعدم التخلي عنها، وهذا خلاف ما دعا له جلالة الملك حين أكد على ضرورة التخلص من القوانين المقيدة للحريات، والمعيقة للتطوير والتنمية.
ثانيا: تقليل فرص الناس ومؤسسات المجتمع المدني والتضييق عليهم قدر الإمكان من الشكوى والتظلم ضد هذه القوانين المجحفة، وتيئيسهم من الأطر الدستورية الحالية، وصولا إلى المساومات السياسية التي تعني في نهاية المطاف الدخول في النظام الدستوري الحالي وقنواته الحالية، وهذا معناه عدم حماية كل من يتحرك في المحيط الخارجي وفق الأطر السلمية إذا ارتضى التحرك من الخارج عن قناعة، إلا أن هذا السلوك من السلطة التنفيذية قد يكون سببا لاحتقان سياسي غير محمود العواقب في حال انعدمت الوسائل والأدوات القانونية التي تحمي تحرك الناس خارج القنوات الدستورية الحالية.
ثالثا: ربما يكون رفض الطعون الدستورية في القوانين الثلاثة من المحكمة الدستورية لكون القائمين على دعوى الطعون من خارج النظام الدستوري، كما أن القضية في نفسها لم تتحول إلى قضية رأي عام بسبب سوء أداء الجمعيات المقاطعة. لكن: ماذا عن الطعون التي تقدمت بها كل من كتلتي "النواب الوطنيين الديمقراطيين" و"الإسلامية" في قانون 56 وقانون توزيع الدوائر الانتخابية إلى المجلس النيابي على أمل عرضها على المحكمة الدستورية؟ فلو حصل ذلك: هل يمكن أن يكون تعامل المحكمة الدستورية مع النواب - وهم من داخل النظام الدستوري الحالي - كما هو التعامل مع هيئة دفاع "الموسوي" أو دفاع "الوسط"، لأن خصمهم في هذه القضية هي السلطة التنفيذية؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة عميقة ومتأنية من أصحاب الشأن، لأنه سيعمق من حال الاختبار للأدوات الدستورية الحالية في حال حصل المحذور مع الداخلين في النظام الدستوري الحالي.
رابعا: إن تقديم المسئول في وزارة الإعلام من قبل النيابة العامة إلى المحكمة بتهم قد تزيد على ما اتهمه به رضي الموسوي في مقاله، والذي قدم للمحاكمة بسببه، وذلك لإنقاذ الشق الدستوري في القضية بالشق الجنائي، وترجيح كفة الموسوي على كفة مسئول في وزارات الدولة، يؤكد أن المساحة التي يتحرك فيها المتنفذون في الدولة هي المساحة السياسية النابعة من التكيف مع الظروف السياسية الحالية التي يتطلبها الإصلاح، وليست نابعة من التسامح أو العفو، لأن كل القضايا التي مرت بالمحاكم فيما يتعلق بالشأن السياسي ابتداء من قضية "الوسط" فقضية "الموسوي" فمعتقلي "العريضة" وأخيرا قضية اعتقال عبدالهادي الخواجة وتداعياتها المارثونية هي قضايا رأي عام، ولم تكن قضايا جنائية أبدا، ما يعني أن مساحة التكيف السياسي غير مطمئنة، لأنها تعتمد الوقائع والظروف ولا تعتمد القانون أبدا.
ومع رفض المحكمة الدستورية للطعون الدستورية في القوانين الثلاثة، وقبلها رفض المحكمة الصغرى الثالثة إحالة الطعن في المادة 65 من قانون العقوبات إلى المحكمة الدستورية في قضية اعتقال الخواجة، فإن أداة قانونية بيد الناس والمجتمع المدني قد تقوضت إذا لم يتم تدارك الأمر، ما يعني أن مساحة التكيف السياسي التي كانت تنتهجها الحكومة ممكن أن تضيق، في ظل قلة حيلة الناس ومؤسسات المجتمع المدني قانونيا.
هذا التكيف السياسي من الحكومة مشابه للتكيف - ولو في اتجاه معاكس - مع تقديم مدير بنك الإسكان إلى المحاكمة في خطوة جريئة ونادرة من وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر، ثم إعلان مدير الإسكان بأنه مستعد لدفع مبلغ مليون ونصف المليون دينار مقابل إخلاء سبيله، مع أن المبلغ بحسب تقرير ديوان الرقابة المالية أكبر بكثير وبأضعاف المرات من المبلغ المذكور، ومع أن دفع المبلغ لا يلغي الشق الجنائي، ولا حكم المحكمة، ولا إنفاذه كحكم، لأن الجناية حصلت، وإرجاع المال المسروق جزء من مقتضيات المحاكمة والحكم، وبالتالي: فالحلول الترقيعية لا يمكن لها أن تمنع فساد المفسدين في أجهزة الدولة أو تردعهم عن فسادهم، وشتان بين التكيف في تقديم مسئول وزارة الإعلام، والتكيف في تخليص مدير بنك الإسكان من ورطته الجنائية والقانونية والاخلاقية لو حصل.
والسؤال: ما هو المطلوب أمام هذا الوضع القانوني الجديد الذي فرضه رفض المحكمة الدستورية الطعون في القوانين الثلاثة وسوء أداء الجمعيات المقاطعة في تحويل الطعون الدستورية إلى قضية رأي عام؟ والجواب في النقاط الآتية:
أولا: يجب التأكيد على الطعون الدستورية كأداة كلما جيرت قضايا الرأي العام باتجاه الشق الجنائي، لتثبيت الحقوق المدنية للمواطنين في الدفاع عن أنفسهم، وهناك دعوى مطروحة على الجمعيات السياسية بتشكيل جبهة وطنية من 30 إلى 50 محام للطعون الدستورية في القوانين المقيدة للحريات كلما استخدمتها الحكومة ضد المواطنين، والهدف إيجاد غطاء سياسي لهذا التحرك القانوني، وإشعار الناس والحكومة قبلهم بجدية مقاومة هذه القوانين المقيدة للحريات بالأساليب القانونية، ومن خلال اختبار النظام الدستوري الحالي، ومراقبة كل تفاصيل عمله القانوني والسياسي، ونقده بشكل مستمر.
ثانيا: يجب استثمار ما سيتمخض عن المحكمة الدستورية من شروح لأسباب رفض الطعون الدستورية في القوانين الثلاثة، لمناقشة أسباب الرفض من خلال المحامين الوطنيين، وتسليط الضوء عليها وفق ما قدمته هيئة دفاع الموسوي من مذكرة تبين فيها أسباب تقديم الطعون الدستورية في القوانين الثلاثة، ومقارنتها بأسباب رفض المحكمة الدستورية الطعون قانونيا ودستوريا، والبناء على ما تقدم في قضية "الوسط"، وخصوصا أن الطعون في القوانين نفسها وأسباب الطعون متشابهة، لتأمين التفاف شعبي - ولو متأخر - في هذه القضايا الحساسة.
ثالثا وأخيرا: قد يكون ثمن رفض الطعون الدستورية في القوانين الثلاثة من المحكمة الدستورية التنازل عن القضايا الجنائية المرفوعة ضد "نشرة الديمقراطي" وصحيفة "الوسط"، لأن ثمنها السياسي قد انتهى، وتقادمت القضايا المفتعلة في حينها ضدهما، وبالتالي: فإماتة القضية قانونيا هو الخيار الأسلم للحكومة، والمطلوب: ألا يتم الاستسلام إلى هذا التكيف السياسي الذي تفرضه الحكومة من طرف واحد، طلبا للراحة الوقتية من أعباء ومعاناة المحاكمات الطويلة، وإنما المطلوب هو التصدي لهذه القوانين المقيدة للحريات، وعدم الرضوخ أو الاستسلام لمتطلباتها المتعسفة، فعهد الإصلاح يقتضي رفض هذه القوانين، ودعوة جلالة الملك إلى إزالتها تؤمن آلية مقاومتها سلميا
العدد 856 - السبت 08 يناير 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1425هـ