لم يتوقع الكثيرون أن يجن جنون بعض الذين لا يؤمنون بالرأي الآخر عندما نشرت "الوسط" الاسبوع الماضي مقابلة مع المرجع الديني السيدمحمدحسين فضل الله، والتي قال فيها إن المقاطعة ليست السبيل الأفضل للإصلاح وإن المقاطعة أدت إلى تهميش الشارع السياسي الذي ضحى كثيرا وأصبح الآن من دون استراتيجية واضحة ويتم جره حاليا إلى ناحية الهاوية المجهولة تحت شعارات لا يؤمن بها كثير ممن يرددونها من الاساس.
بالنسبة إلي لم أستغرب من ردود الفعل التي اقترب بعضها من الهيستيريا ولم أعر أي اهتمام لما وصل إلى مسامعي. ولكني استقبلت مكالمة من السيدفضل الله نفسه قبل يومين، وأنا ممتن له لأن هذا الاتصال ربما هو الاتصال الثاني الذي أستقبله مباشرة من فضل الله، إذ كان الأول قبل سنتين تقريبا عندما اتصل يستفسر عن حال الوالد الشيخ عبدالأمير الجمري الصحية، والثانية، وهي هذه، وكانت بسبب ما تلقاه من مكالمات ورسائل بالفاكس بعضها تخلى عن كل عبارات الادب واللياقة، وهي جميعها لا تستحق من يرد عليها.
السيد فضل الله مرجع ديني له ثقله الكبير في الساحة الإسلامية الشيعية عموما والساحة البحرينية خصوصا، وهو مصدر إلهام والحديث الهاتفي معه لايستحق ان ينشغل بأقاويل المتهسترين الذين لايؤمنون بوجود الآخر.
فضل الله صاحب فضل على الساحة الإسلامية التي أغناها تنظيرا وتوجيها منذ أربعة عقود حتى الآن. وكم يؤسفني ما سعى اليه أصحاب الفكر الاستبدادي خلال الأعوام الثلاثة الماضية من إرهاب فكري لجمهور الانتفاضة وحرمانه من حق التفكير والاختيار. ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا ووجدوا أن كل أساليبهم غير القويمة عادت عليهم ولم يفلحوا في منع جمهور الانتفاضة من الاطلاع على وجهات النظر الأخرى بهدف اختيار أفضلها، بعد الحوار والنقاش الحر وغير الخائف من كل أساليب الجهل والتجهيل والتخوين.
نعم، ما قاله السيد فضل الله ونشرته "الوسط" قاله بعد أن استمع إلى كل وجهات النظر... استمع إلى الداعين إلى المقاطعة أكثر مما استمع إلى الداعين إلى المشاركة.
نعم، السيدفضل الله رأيه مع المشاركة وهو رأي كرره أمام كل من سأله من قريب أو بعيد... كذلك ايضا، فان فضل الله ضد الذوبان في السلطة وضد أي جهة تبيع المبادئ من أجل المصالح.
اننا جميعا نقف مع الرأي المسئول ونحترم اختيار الناس بعد ان يفسح لهؤلاء الناس الاستماع لجميع الخيارات. فإذا كان هناك من يدعو إلى المقاطعة فإن هناك من يدعو إلى المشاركة، والذين يدعون إلى المقاطعة ليسوا أكثر إخلاصا من غيرهم... بل إن بعضهم من أصحاب المزايدات، وكنا نعرف امثالهم أيام انتفاضة التسعينات، وجاءنا من يشبههم جدا إلى لندن في تسعينات القرن الماضي، وطلب اللجوء السياسي، وطالب بمطالب ثورية جدا، واعتبر أن أي شخص لا يرفعها عميل وخائن... غير أننا اكتشفنا لاحقا انه لا صلة له بأي عمل سياسي لا من قريب ولا من بعيد، وأن خروجه من البحرين كان لأسباب أخرى ليست لها علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. ومع ذلك ظل هؤلاء المزايدون يزايدون على الآخرين لعلهم يعوضون عن عقد نقصهم.
اننا نقول لكل من يحاول إخراس الرأي الآخر: إن مطالبتك السلطة بالديمقراطية تعني أولا أن تفسح لغيرك أن يعبر عن رأيه وألا تطلق الإشاعات والأكاذيب وألا تتهم الآخرين بالخيانة لمجرد أنهم اختلفوا معك في الرأي... وبعد ذلك يمكنك المطالبة بديمقراطية أوسع. اما اذا كنت تتهم غيرك بكل شيء وتعتبر نفسك الطاهر المطهر، فلنا خبرة واسعة جدا مع من يشبهونك كثيرا... وان غدا لناظره قريب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 855 - الجمعة 07 يناير 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1425هـ