العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

الودع: المارد العالمي بين العلم والدلع!

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

إن "العقل" العربي يرغب بل يعشق أن ينظر إلى المستقبل "نظرة" غير علمية فيها الكثير من التمني والتنجيم" لفت انتباهي وأنا أقرأ مقال الكاتب محمد الرميحي، في "الوسط"، في عددها الصادر يوم الثلثاء، الرابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، بعنوان "منجمو العام الجديد: "ضاربو الودع" في الفضائيات العربية وتزييف الواقع" مقولة فيها شيء من القصور والتجني على "العقل" العربي عموما وعلى عقل المثقف الحق خصوصا. هنا سنبدي غير آخذين في الاعتبار ولا منتظرين: "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا" وجهة نظرنا بشأن هذا القصور والتجني عسى أن تكون ردا فيه شيء من الدفاع عن هذا "العقل" الذي جمد في كل مجال بما فيها مجال ضرب الودع أو رؤية المستقبل واستشرافه على الأصعدة كافة.

إن شعوب الأرض قاطبة لها طرقها ومحافلها في "ضرب الودع"، ففي "الصين" ذلك المارد البشري والجغرافي هناك ساحات كثيرة لهذا الغرض يؤمها الناس وقد شاهدت ساحة كبيرة جدا يفترش أرضها "ضاربو الودع"، كل له أدواته وبضاعته منهم من يستخدم الطيور، منهم من يقرأ الكف، منهم من يقرأ الوجه، والعيون، وباطن الأقدام والكروش. ومنهم من يستخدم الصخر أو قواقع البحر أو الرمل أو ورق اللعب، ومنهم من يستخدم الصور وأعواد الكبريت وأعواد القصب أو بخور الياسمين، ومنهم من يقرأ النجوم أو تعرجات الآذان، ومنهم من يقرأ الماء وحركات النسيم على صفحته وهناك طبعا الأكثر شهرة "كعكة الحظ"، وهي باللغة الإنجليزية يطلق عليها "فورتشن كوكي". وهناك أبراجهم التي تعتمد الحيوانات مثل القرد والثعبان وغيرهما أشياء أخرى كثيرة، يتفننون في عرضها، وهي كما قيل لي تأتي بنتائج ملموسة ومحسوسة. وهناك تجد جميع فئات المجتمع من الشباب والكهول والعجائز والبنات والأطفال، جميعهم يطمح في اكتشاف مستقبله أولا، ومن ثم مستقبل الإنسان ومدى توفقه في مجالات حياته: الزوجية أكثرها طلبا، ثم العمل ثم السفر وأشياء أخرى... في اليابان حيث التكنولوجيا في كل مكان "أحدثكم عن ثمانينات القرن الماضي" وتحديدا في منطقة "غينزا" الحي التجاري الصارخ بأضوائه النيونية وأزيائه، هناك تجد ضاربي الودع في كل مكان وهم في جلهم يستخدمون التكنولوجيا حيث الآلات التي تضع باطن كفك على سطحها الزجاجي لتخرج لك قراءة عن مستقبلك بالياباني وعليك أن تجد من يترجمها لك، هناك طبعا قراءة باللغة الإنجليزية ولغات أخرى. هناك ضاربو الودع بالطرق المألوفة ذات التاريخ العريق في الثقافة اليابانية. حدث مرة أن كنت أحتسي فنجانا من القهوة في فندق من فنادق "طوكيو" وإذ فجأة دنت مني عجوز يابانية وهي تتحدث الإنجليزية وقالت لي بعد أن عرفت من أين أنا: "هل لي أن أقرأ لك المستقبل؟" فقلت: "على الرحب والسعة" فإذا هي تسترسل في الكلام عن مستقبلي، إلى هنا وأكتفي عن البوح. في منطقة "همامتسو" حيث يأكلون السمك السام هناك في المعابد المشيدة على المرتفعات والهضاب الخضر تجد قارئي الحظ وضاربي الودع مصفري الوجوه، حليقي الرؤوس، ذربي الكلام، مهذبين إلى أبعد الحدود جنبا إلى جنب مع أحدث التكنولوجيا. في "سنغافورة" هناك وعلى امتداد شارع "أروتشد" تشهد قارئي الحظ وضاربي الودع وتجدهم أيضا على عتبات المعابد وفي وسطها عبق العود والبخور يختلط مع لحن تصدره الأعواد القصبية المجتمعة في كأس خشبي تهزها الأيدي لتتساقط واحدة بعد الأخرى إلى أن تبقى واحدة لا تقبل السقوط هي حظك ومستقبلك وتجد من يقرأه لك. هناك قارئو الودع في كل زوايا الأعراق، ففي الحي العربي والهندي والصيني هناك ضاربو الودع.

في تايلند و البحرين والكويت

في "تايلند" القصة نفسها، وفي الهند القصة نفسها غير أنها تمتزج بالفلسفة الهندية المتشربة بكل الديانات. فهناك تجد ضاربي الحظ المسلمين والهندوس والمسيحيين والسيخ وغيرهم وتجد الرجال والنساء وبمختلف الأثمان الذين يضربون الودع كل ما عليك فقط هو أن تسأل وإذا بهم يلتفون حولك كما تلتف أوراق الزهر حول محورها. أما في الباكستان فهناك تسعون في المئة من الباكستانيين يؤمنون بقراءة الودع لاتخاذ قرارات في الزواج والعمل وخلافه وغالبيتهم من "المتعلمين". هذا بالنسبة إلى الشرق وهذا قليل من كثير.

وفي عالمنا العربي حدث ولا حرج في هذه المسألة: في "الكويت" هناك العرافون الدجالون الذين يعملون بالسر لا العلانية بعضهم يستخدم الدين ستارا له ويوظف كل أدواته في هذا الشأن وبعضهم يستخدم "فنجان القهوة التركية" أو ورق اللعب وبعضهم يستخدم الكف لا للضرب بل للكشف عن خبايا المستقبل. وأكثر الخبايا المطلوب معرفتها خاصة بالنساء.

في البحرين العملية معقدة بعض الشيء، غير أن النساء في الأغلب هم الأكثر استفادة من الودع وضاربيه، طبعا هناك من يوظف الدين وأدواته ليصطاد من ورائه الموهومين والطالبين مساعدة الجن لتخليصهم مما هم فيه حين لم يجدوا أملا في مساعدة بني الإنسان لهم في محنهم الكثيرة والبسيطة في آن.

في "العراق" جميع ضاربي الودع فشلوا في إقناع صدام حسين بالتخلي عن أسلوبه ونظريته في الحكم، إذ "عندما أحمل البندقية تعرفوني" فيحكى أن أحد عرافي البصرة قال له في رسالة مطولة ان "المستقبل أمامه مظلم" وأن "عرافة" من السماوة قالت له إن فترة حكمه ستدوم ثلاثة وعشرين عاما وأقام أحد العرافين في قصره الجمهوري، إذ تنبأ له بعود "النظام الملكي" للعراق واغتيال صهريه في "بغداد" بعد أن يكشفا أوراقه للأميركان. لا علينا. المهم أنه في العراق وعلى مساحته من الجنوب إلى الشمال هناك "بصارين" لهم أدواتهم الضاربة في التاريخ ويستخدمونها كل بحسب طائفته وعرقه.

الهروب من عرافة دمشق

في سورية وفي دمشق تحديدا دخلت في تجربة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي أبدا، إذ كنت أسير وحدي وإذا بامرأة تحمل طفلا تلاحقني وهي تصيح: "تعال أقرأ لك حظك" ثم فجأة وإذا بها تخرج ثديا وتعصره وتدع سائلا أبيض يتطاير يملؤ الفضاء أمامي. كنت يافعا يومها. أخافني المشهد، ذعرت وهربت.

في مصر هناك طبعا ضاربو الودع وعلى مستويات عدة بعضهم خاص بالنساء وبعضهم متخصص جدا بأمور الرجال وبعضهم متخصص بأمور رجال السياسة. والمصريون لهم تاريخ طويل في قراءة المستقبل بضرب الودع منذ عصور الفراعنة حتى القرن الحادي والعشرين حيث أكشاك العرافين وضاربي الودع تنتشر في كل مكان حتى "حديقة حيوان الجيزة" التي أنشأت فيها إدارتها "أكشاك العرافات "والمشعوذين" ليضربوا الودع ويقرأوا الكف لمن يريد ليتعرفوا على مصيرهم المجهول" و"هناك ثلاثمئة ألف شخص يدعون معرفتهم بقراءة المستقبل؛ في عصور مصر القديمة تلك العصور الغابرة كان فيها الأنبياء والكهنة هم قارئو المستقبل ومفسرو الأحلام. القصة الأكثر شهرة قصة نبي الله موسى الذي حذر فرعون من ولادته لأنه هو من سيقصم ظهر مملكته وفرعونيته، إذ نجا بأمر الله من القتل، إذ "قالت امرأت فرعون ققرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون" "القصص: 9". كما جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى رؤية المستقبل: "إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" "يوسف: 4".

أما مصر في العصر الحديث فلا يمكننا أن ننسى "العندليب الأسمر" وهو يشدو في "قارئة الفنجان" للشاعر نزار قباني "قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب ياولدي" إلى آخر الحكاية وما هو مكتوب فيها!

وقد قرأت على الشبكة أن سودانية ضاربة للودع قالت لزائرها: "لقد كشكنا ودعا هذا الصباح فوشوشنا بأن زولا شفيفا رهيف الذوق سيطل، فها أنت تطل". فرد صاحب الطلب: "انا كل ما اكشكش بلقاها قافلة الليلة قلت الا اكسر حظي ده وابتسم كده براي من الصابح ماشي واوزع في البسمات". وهناك الكثير من هذا القبيل عند الاخوة هناك ففي قراءة الودع السياسي، إذ جاء: "في النكتة السياسية الشهيرة أن شيوعيا ذهب الى ست الودع "عرافة"، الودع هو عبارة عن اصداف بحرية صغيرة الحجم لها وقع خاص في وجدانيات الشعب السوداني إذ تدخل في زينة المرأة "ودعتين شدهو الجبين ولا الجبين شدهو الودع". ويدخل الودع في معظم الفلكلور السوداني والمعتقدات الروحانية... ذهب الأخ الرفيق إلى ست الودع في عهد الرئيس المخلوع نميري، وبعد أن جلس إليها تتأمل حاله المغلوب قالت يا ولدي لا تحزن فالحزن عليك هو المكتوب وبعد أن دفع البياض "جنيه واحد" قالت ما هو طلبك؟ قال كم سنة سيحكم النميري السودان؟ ثم هزت الودع ورمته في الرمل "ست الودع ارمي الودع لي كشكشي كان فيهو شي شوفيهو لي" وبعد أن بسملت وهمهمت قالت مكتوب في الودع ست عشرة سنة". ويقول كاتب هذه السطور إن "نبوءة ست الودع" أصبحت حقيقة.

وهناك في الأمة العربية من المحيط إلى الخليج "ذات الرسالة الخالدة" أناس يقرأون كل شيء حتى الأظافر لم تنج من هذه القراءة وفي الأغلب هي قراءات خاطئة، هنا مثال: "بالنسبة إلى الأظافر اللوزية أصحابها يتمتعون بشخصية كريمة وموهوبة وهو الشكل الأكثر ارستقراطية بين أشكال الأظافر، ويملك أصحابها مقدرة على اشاعة أجواء مرحة ومنسجمة من حولهم وهم أشخاص محبون للفنون عموما".

الإسلام يحدثنا عن كثير من الرؤى، وقد رأى نبي الله إبراهيم المستقبل في حلم "فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" "الصافات: 102". وأن الكعبة المشرفة كانت تسمى بـ "ذات الودع" وذلك لسبب أنه في الجاهلية كانوا يعلقون على أستارها الودع وقال في ذلك شعرا عدي بن زيد العبادي: "كلا يمينا بذات الودع لو حدثت فيكم وقابل قبر الماجد الزارا".

مليارات على الشعوذة العربية

ولابد من القول هنا إن الدين الإسلامي يحرم مثل هذه الصور من القراءة أو ضرب الودع فهذا الشيخ محمد الخضيري، يرد على تساؤل أحد المتسائلين عن الودع وضربه بقوله: "رمي الودع، أو الحجارة، أو الخط بالأرض، أو غيرها، من الطرائق التي يزعم وقوعها في مكان معين، أو إصابتها لهدف معين يدل على وقوع شيء في المستقبل من خير أو شر، كل ذلك من الكهانة المحرمة، وهي ضرب من ضروب الشرك، لأن علم الغيب من خصائص الربوبية وادعاؤه منازعة للرب في ذلك، يقول الله - تعالى -: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" "النمل: من الآية 65"، وأما فعل ذلك على سبيل التسلية فلا معنى له بحال، فصاحبه إن سلم من الاعتقاد الشركي فهو على الأقل مشابه لأهله في الفعل الظاهر المحرم، والتشبه بأفعال الكافرين وأحوالهم محرم في الشريعة، ثم إن ذلك وسيلة متدرجة إلى التشكك في نتائجها المزعومة" "موقع الإسلام اليوم". وهناك الحديث: "كذب المنجمون ولو صدقوا". ويتفق مع هذا الرأي جميع المفكرين الإسلاميين بجميع أطيافهم وطوائفهم.

يذكر موقع "المحيط" أن العرب يصرفون خمسة مليارات دولار على "السحر والشعوذة" وأن هناك "مثقفين يضربون الودع"، وأن هناك "نصف مليون دجال ينتشرون في مختلف البلاد العربية"، وأن "نصف النساء العربيات يؤمن بالسحر والخرافة، ويترددن على المشعوذين سرا وعلانية، حتى أصبح هناك مشعوذ أو دجال لكل ألف مواطن عربي"! وهذه الأرقام قدمها الباحث المصري محمد عبدالعظيم في دراسة له منشورة.

الغرب هو الآخر منغمس من رأسه حتى أخمص قدميه في قراءة المستقبل أو ضرب الودع بالطرق والوسائل كافة، فهناك من هو مولع بضرب الودع من رؤساء الدول والوزراء ومن عامة الشعب. ففي أميركا في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان، إذ تم اختيار ثلاثة منجمين للبيت الأبيض وأشهرهم داني تومس لم تتخل السيدة الأولى نانسي ريغن عن "ضرب الودع" في قلب البيت الأبيض: "المكتب البيضاوي" حيث كان يجتمع معها وبالرئيس "ضاربو الودع" والمستقبل وكان من أكثر الناس إيمانا بهم، ونتيجة ذلك ازداد ولع الأميركان بضرب الودع وصدقت المقولة: "الناس على دين ملوكهم" وانتشرت في "جورج تاون" وأحياء أخرى من "واشنطن العاصمة" دكاكين ضاربي الودع إلى جانب ذلك انتشرت في ذلك العهد ظاهرة ضاربي المدافع وخصوصا الهاون بالذات في "غرينادا"!

شمعة ديانا

في بريطانيا يقال والعهدة على الرواة إن الملكة إليزابيث هي الأخرى تؤمن بضرب الودع ولديها في قصر بكنغهام ستة من ضاربي الودع لا تتخلى عنهم مهما كان السبب. فمن القصص التي تروى عن قارئي الحظ في ذلك القصر المزار أنه لما عزم الأمير تشالرز على عقد قرانه بالضحية الكبرى للمجتمع والحكم في بريطانيا "ديانا" نودي على ضاربي الودع وقارئي المستقبل ليكتشفوا مدى نجاح هذا الزواج، فجاءت النتيجة على غير ما توقعه الجميع: "زواج تنتج عنه شمعتان، وتنطفئ فيه شمعة ويتفرق فيه الجمع ويذرف فيه الدمع". ليس هناك معلومات عما كان عليه رد فعل القصر.

في فرنسا وفي وسط باريس مدينة العطور والنور وفي أهم شوارعها هناك كمبيوتر عملاق يقرأ لك ولمن تحب المستقبل لمدة عام كامل فقط، كل ما عليك إعطاؤه تاريخ ميلادك وساعة خروجك إلى الدنيا وموقع ولادتك يقوم بعدها بقراءة النجوم في السماء نجمة نجمة ويقول لك طالعك لقاء مبلغ من المال! وللمكان هذا رواد من مختلف أنحاء العالم، وهناك طبعا أشهر عراف فرنسي "أندريه ياربو" عراف الساسة ورجال الجمهورية. ويذكر أن الرئيس الفرنسي السابق ميتران كان يطلب معرفة أبراج أي رئيس من المقرر مقابلته من رؤساء العالم. كما استدعى كثيرا من المنجمين ليعرف عن طريقهم المستقبل وما يحمله إليه من هموم. وهذا ليس وليد عصره بل هو ميراث فرنسي حمله الملوك والثوار. في أوروبا كلها بما فيها إيطاليا وإسبانيا واليونان والسويد وغيرها منخرطون جدا في هذا العلم والولع الذي يصل في أحيان كثيرة إلى مرتبة الدلع! طبعا هناك الغجر الذين يضربون لك الودع ولهم طرقهم الخاصة وهم منتشرون في كل أنحاء أوروبا.

في أميركا الجنوبية وفي المكسيك تحديدا رأيت ضاربي الودع وهم كثر إلى جانب العشاق، منهم من يستخدم الديوك الجميلة في قراءة المستقبل، ومنهم من يقرأ الكف وجميع الطرق المتعارف عليها إلى جانب أدوات الدين طبعا وخصوصا الدين المسيحي.

طبعا لا يمكننا أن نغفل انخراط وسائل الاتصالات والإعلام المقروء والمسموع والمرئي في نشر معلومات الابراج الاثني عشر. ولا ننسى أن نذكر بأشهر أغنية عربية في هذا الشأن التي تقول بعض كلماتها: "وأنت ياللي برجك الأسد محروس إنشاء الله من الحسد".

مما تقدم نرى أن البشرية كافة منذ بدايات الحضارة حتى الآن كانت تقرأ المستقبل تارة علما وتارة دلعا وولعا. ونرى الآن أن الدول التي قرأت المستقبل علما تقدمت تقدما ملحوظا وملموسا على الأصعدة كافة وإن هي تركت الجميع يستمتع بقراءة ودعه بالطريقة التي يشاء من دون المساس بمستقبل الأوطان، إما تلك التي تشبثت بقراءة المستقبل ولعا ودلعا فلاتزال في آخر مركبة من مركبات قطار الإنسانية وليت الأمر متوقف فقط على المركبة الأخيرة، بل إن الأمر أكثر تعاسة مما نعتقد فإن المركبة الأخيرة عاجزة عن الحركة ومتوقفة في المحطة لخلل أصاب عجلاتها ولا يعلم متى يصلح هذا العطل. من هذه الـ "تلك" الأمة العربية.

ليست هناك مشكلة في قراءة المستقبل بأية طريقة كانت، غير أن هناك مشكلة كبيرة عندنا في قراءة المستقبل بالطريقة العلمية التي تشخص المشكلة وتعد لها الأدوات الناجعة لمعالجتها والتي ترى نتائجها واضحة وضوح الشمس حتى قبل تجسدها على أرض الواقع. نحن نفتقد تلك النوعية العلمية من قراءة المستقبل وفي جميع مرافق حياتنا.

منذ سنوات أحاول تأسيس جمعية تعنى بالمستقبل أطلقت عليها "جمعية المستقبل" غير أني حتى كتابة هذه السطور لم أوفق في جذب العقول التي دعيت إلى هذا التأسيس والتي اعتقدت جازما بأنها الأمل في صنع المستقبل المنشود، والسبب يعود كما أظن إلى أن المجتمع يرى الحاضر هو مستقبله والنهاية التي يطمح الوصول إليها وليس له أمل يذكر في تغيره نحو الأفضل. ربما أوفق في تأسيس جمعية لضرب الودع تستهوي جمعا غفيرا لا ينتج عنها شيء يذكر، فهل هناك من نصير؟

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً