العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

الشرق الأوسط تتصدر مناطق النزاعات في العالم

في العام 2005 أيضا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

شهد العام الماضي نشوب نزاعات مسلحة جديدة فيما استمرت النزاعات السابقة. وظلت منطقة الشرق الأوسط ساحة للنزاعات الدامية، وكان غزو العراق وأسر صدام حسين أبرز حدث فيما استمرت "إسرائيل" في حربها ضد الفلسطينيين، من دون ظهور من يردعها. كما طلع الغرب بمبادرة جديدة تجاه الشرق الأوسط الكبير ترمي إلى نشر الديمقراطية في دوله. لكن بين الواقع والأمل هوة كبيرة. فـ "إسرائيل" ترفض تنفيذ خريطة الطريق وتمضي في تصفية الفلسطينيين كما يحلو لها من دون صدور انتقاد من الولايات المتحدة وأوروبا. فيما تسود الفوضى الأراضي العراقية التي لم تعد أكثر أمنا بعد الإطاحة بالنظام السابق. وفقدت القوات الأميركية أكثر من ألف جندي قتيل منذ إعلان نهاية المعارك العسكرية الرئيسية في العراق في الأول من مايو/ أيار .2003 وبينما لا توجد إحصاءات مؤكدة بشأن عدد المدنيين العراقيين الذين فقدوا أرواحهم منذ بدء الغزو، فإنه يعتقد أن نحو 1300 من أعضاء شرطة العراق والحرس الوطني قتلوا نتيجة العمليات التي تشنها المقاومة المناهضة لحكومة إياد علاوي المحسوبة على واشنطن.

وفي 9 يناير/ كانون الثاني الجاري سينتخب الفلسطينيون في مناطق السلطة رئيسا خلفا للرئيس الراحل ياسر عرفات. وبعد انتخابات الرئاسة في أفغانستان ستجرى انتخابات برلمانية في الهندكوش في أبريل/ نيسان المقبل. وفي 30 يناير ستجرى انتخابات برلمانية في العراق. هذه الانتخابات مهددة بسبب استفحال أعمال العنف هناك. ولأول مرة لمح الرئيس العراقي غازي الياور يوم الثلثاء الماضي إلى احتمال عدم إجرائها في موعدها المقرر. وبينما يرى وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر أن دول ما يسميه حزام النزاعات تملك فرصة تحقيق الاستقرار في أراضيها، إلا أن غالبية المحللين السياسيين والاستراتيجيين يعتقدون أنه من المستبعد توقف أعمال العنف فيها خلال العام الجديد.

تركة صدام الفظيعة

يشهد العالم كيف زادت أعمال العنف في العراق مع قرب موعد الانتخابات العامة. وتجري المنافسة الانتخابية على الأرض وبصورة مجازر. ويبدو أن منفذي الهجمات قرروا تصعيد عملياتهم في محاولة منهم لعرقلة الانتخابات. ولم يعودوا يستهدفون قوات الاحتلال بل صعدوا عملياتهم وخصوصا ضد أعضاء الشرطة والحرس الوطني العراقي، إضافة إلى رموز الحكومة المؤقتة في بغداد. ويتمسك رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي بالوجود العسكري الأجنبي في العراق فيما يرى مراقبون أنه لن يكون بوسعه وأعضاء حكومته الصمود طويلا إذا انسحبت القوات الأميركية. فالجيش العراقي الجديد ضعيف، والشرطة العراقية عاجزة عن فرض الأمن في جميع أراضي العراق. ويلاحظ المراقبون أن تغير موازين القوى لصالح الغالبية الشيعية في العراق قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية بعد الانتخابات. والأكراد يطالبون بنظام فيدرالي ليديروا مصالحهم بأنفسهم، بينما السنة يشعرون أنهم أقلية ضعيفة قد يخسرون مواقعهم السابقة.

أما الغالبية الشيعية التي تشكل نسبة 60 في المئة من العراقيين فقد نظم قادتها أنفسهم أملا بأن تساعدهم انتخابات ديمقراطية في الوصول إلى السلطة. غير أن الكثير من المراقبين في أوروبا يعتقدون أن حصر نفوذ السنة الذين كانوا يتمتعون بنفوذ واسع النطاق في عهد صدام سيدفع بهم إلى خنادق المقاومة السرية. وهناك عنصر الأصوليين مثل منظمة "القاعدة" التي تحارب على أرض العراق كل ما له صلة بالغرب.

ومن المستبعد أن يتفق العراقيون أنفسهم على قانون أساسي موحد بسبب اعتراض كل فئة على بنود فيه. وهناك الصراع الدائر داخل المعسكر الشيعي بين المعتدلين والمتطرفين. طرف يؤيد قيام دولة ديمقراطية وطرف يحبذ قيام جمهورية إسلامية على النمط الإيراني. بينما ينتظر الأكراد، الطرف الفائز في عملية غزو العراق، بالوعد الذي قطعه لهم الأميركيون وقيام دولة تتمتع بحكم ذاتي.

ويخشى سياسيون أوروبيون من اندلاع نزاع مسلح في المستقبل بين أكراد العراق وتركيا المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي ستسفر عضويتها إلى وصول حدود الاتحاد الأوروبي إلى الحدود التركية مع العراق وسورية وإيران.

فلسطين بعد عرفات

ويأمل المراقبون أن تقود الانتخابات الفلسطينية المقررة في 9 يناير بعد أربعة أعوام على اندلاع الانتفاضة الثانية إلى فتح باب جديد أمام عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وكانت "إسرائيل" والولايات المتحدة تتذرعان بأن عرفات يشكل عقبة أمام متابعة المفاوضات. وأوحت واشنطن أنها تعتبر محمود عباس شريكا مقبولا، بينما مزاج "إسرائيل" مازال متقلبا. وفي ضوء الكارثة التي وقعت بها الولايات المتحدة في العراق فإن إدارة بوش ترزح تحت ضغط أكبر من السابق لتحقيق صلح نهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إذ ان لدى واشنطن رغبة حقيقية في إصلاح سمعتها في العالمين العربي والإسلامي.

يقول المراقبون انه إذا فاز أبومازن بالانتخابات ثم نجح في احتواء القوى الرافضة داخل حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها، فإنه يحقق نقطة مهمة نحو حلم الفلسطينيين بالحصول على دولتهم المستقلة. لكن نجاحه يعتمد على أفعال شارون، وبصورة أكبر على مدى استعداد بوش لإنهاء أم النزاعات في منطقة الشرق الأوسط. وبدأ يتضح للعالم أن شارون هو المشكلة وليس عرفات كما كان يشيع الإسرائيليون والدول الغربية المنحازة لهم. ليس شارون فحسب، بل الجماعات المتشددة في "إسرائيل" التي تحالف معها شارون ويسعى الآن للتحالف مع حزب العمل. غير أن التطرف في "إسرائيل" منتشر داخل الحكومة ومؤسسات الجيش أيضا. فقد دعا حاخامات إسرائيليون متشددون قبل أيام الجنود إلى العصيان إذا صدرت لهم أوامر بالانسحاب من غزة وإخلاء المستوطنات وفقا لخطة شارون. وقال هؤلاء الحاخامات المتشددون انه حرام على الإسرائيليين التراجع عن شبر واحد من الأراضي التي احتلتها "إسرائيل". وهناك اعتقاد أنه بوسع بوش الضغط على "إسرائيل" لأنه لم يعد بحاجة للناخبين اليهود والمسيحيين المتشددين في الولايات المتحدة بعد التجديد له، ولديه فرصة لإصلاح الأمور في الشرق الأوسط وهو مدين للمنطقة بذلك.

جرح أفغانستان

احتفل حامد قرضاي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بانتصار كبير بفوزه بمنصب الرئيس. غير أن أفغانستان التي تعتمد بصورة كاملة على دعم خارجي مازالت تتعرض لخطر عودة الطالبان، الأمر الذي يعرقل بناء مستقبل ديمقراطي لهذا البلد. لكن الغرب عازم على عدم السماح لعقارب الساعة بالعودة إلى الوراء. وسيساعد انتخاب برلمان ديمقراطي في مد نفوذ السلطة المركزية إلى المحافظات الأفغانية الأخرى. فحتى اليوم يسيطر قرضاي على العاصمة "كابول" بمساعدة قوات غربية. ويعتمد على مساعدة قوات "إيفور" الدولية لتوسيع نفوذها إلى محافظات مجاورة. غير أن هذه الجهود تصطدم بين فينة وأخرى بعراقيل أمنية، إذ يشير الطالبان بين وقت وآخر إلى أنهم مازالوا موجودين.

عامل آخر مهم لأفغانستان هو عدم صرف اهتمام العالم عنها في ضوء حوادث العراق واحتدام النزاع النووي بين الولايات المتحدة وإيران، واحتمال تصعيد هذا النزاع خلال العام الجديد، وخصوصا أن "إسرائيل" تحرض واشنطن على توجيه ضربة مباغتة لمنشآت إيران النووية.

وفي حال تعرض إيران لهجوم أميركي/ إسرائيلي قبل موعد انتخابات الرئاسة في إيران المقررة في الصيف المقبل سيضمن التيار المتشدد في طهران الفوز بهذه الانتخابات، وسيحل مكان الرئيس المعتدل محمد خاتمي الذي يؤيد الحوار مع الولايات المتحدة خلف يدعو إلى الانتقام، وجميع السيناريوهات المتعلقة بهذا النزاع لا تبعث على التفاؤل

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً