العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

فضل الله: المرحلة لا تحتمل أية حركة بهلوانية معارضة وحكما

بين العمل للإصلاح ومواجهة الهجمة الخارجية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أكد آية الله السيدمحمد حسين فضل الله، أننا في مرحلة لا تحتمل فيها الأمة أية حركة بهلوانية على مستوى المعارضة، أو الحكم. وشدد على أننا لا نريد لدعاة الاصلاح أن يتنازلوا عن شعاراتهم، ولكن أن يوازنوا بين ما يمكن تحقيقه في الداخل وما ينبغي مواجهته من هجمة خارجية. ودعا الجميع حكما ومعارضة إلى رص الصفوف بعيدا عن التلاوين السياسية والعناوين المذهبية، مؤكدا أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تحقيق مصلحة الشيعة ولا السنة، وإنما لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن آفاق المعارضة من خلال المنظور الإسلامي؛ إذ أجاب بالقول: "إن الإسلام أباح المعارضة، وأتاح الفرصة الكاملة أمام الرأي الآخر لكي يعبر عن نفسه داخل الوسط الإسلامي وحتى في مواجهة الحكم الإسلامي والحاكم الإسلامي، إلى المستوى الذي أفسح فيه المجال للناس أن تواجه حتى النبي محمد "ص" الذي "لا ينطق الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" والذي لم يكن مسئولا أمام الناس بل أمام الله ومع ذلك وقف في المسلمين خطيبا ليؤكد لهم أنه عمل على تطبيق القانون الإسلامي بأدق تفاصيله وأنه التزم به قبل أن يلتزم الناس به. وهكذا رأينا الإمام عليا "ع" يشجع الناس على ممارسة حقهم في نقد الحاكم والاعتراض عليه إذ خاطب الناس: "لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني"، ولكن الإسلام اشترط في مسألة المعارضة أن تنطلق من قاعدة علمية موضوعية في النقد، وألا تتحرك في النطاق الشخصي الضيق بعيدا عن أهداف الأمة ومصالحها الكبرى، وألا تكون على طريقة قم لأجلس مكانك، وأن تسلك الطرق الشرعية والحكيمة في إعلان الرفض وتقديم البدائل، وأن تتحرك كحكومة ظل لتقدم البرنامج السياسي والاقتصادي والثقافي الذي لا تحتاج عند وصولها للحكم إلى العمل على دراسته أو إعادة النظر فيه بل يكون جاهزا من خلال تقويمها السابق للأوضاع.

إن من حق المعارضة، أية معارضة، أن تعترض على سياسة الحكم أو فريقه، وخصوصا إذا كانت هذه السياسة تتناقض مع الشعارات نفسها التي يرفعها الحكم ويعمل في الوقت نفسه على تهميشها انطلاقا من الأولويات الشخصية أو الذاتية أو غير المبدئية التي يجعلها الأساس لحركته السياسية على حساب مصالح الشعب وطموحاته، وعلى حساب مستقبل أجياله وتطلعاتهم... ولكن لابد لهذه المعارضة من أن تكون دقيقة في مواقفها وفي الأسلوب الذي تعترض به، لأنها إذا كانت تقدم نفسها للناس على أنها ضميرهم ولسان حالهم فعليها أن تسلك السبيل وتتخذ الأسلوب الذي يحمي قضاياهم، فتحسب حركتها انطلاقا من رصدها الأجواء العامة التي تؤثر سلبا على مصير البلد ومكانته، ولا تترك الفرصة للاعبين الدوليين أو الإقليميين، ولهذا المحور أو ذاك لكي يستغل حال الفوضى الداخلية التي قد تنطلق من ثقافة الاعتراض لمجرد الاعتراض، ويدخل على الخط فيعرض الوضع الداخلي للاهتزاز من خلال الفرص التي أعطيت له للدخول في نسيج المجتمع الداخلي ليلعب دور المنقذ في الشكل بينما، يتحرك في دور المحرض على مستوى المضمون.

من هنا نقول لكل من يتحرك في خط المعارضة في الواقع العربي والإسلامي من خلال مسئوليته الوطنية والشرعية، أن يرصد القضايا الكبرى للأمة لا أن يتطلع فقط إلى الميدان السياسي المحلي الذي يمثل مساحته السياسية الطبيعية، لأن حماية المواقع الاستراتيجية للأمة في مواجهة العدو الخارجي تبقى هي الأساس، ولأن مصلحة الأمة تتقدم على المصالح الأخرى لا من حيث انها تلغيها بل قد تنطلق الحاجة الكبرى إلى تجميد السعي إلى استخدام الحاجة الصغرى كوسيلة من وسائل الاعتراض السياسي لأن الهموم الكبرى تتقدم على الهموم الصغرى. ولا يعني ذلك أن هذه المسئولية هي حكر على الذين هم في صفوف المعارضة، بل على الذين يتحركون في مواقع المسئولية على مستوى الحكم أن يكونوا الأحرص في السعي إلى الحفاظ على العام لحساب الخاص، وأن يبتعدوا عن سلوك الخطوط الكيدية في حركتهم السياسية ولا يستغلوا العنوان العام والجانب الاستراتيجي لكي ينقضوا على المعارضة فيعملوا للإجهاز عليها بحجة أن الظرف لا يسمح بوجود حالات تعبيرية سياسية مختلفة أو ببروز تناقضات سياسية داخلية. والحال أن الاختلاف السياسي هو الوسيلة الطبيعية التي يمكن من خلالها رصد النجاحات أو الفشل على مستوى قيادة الدولة أو إدارة الأوضاع السياسية الأخرى في حركة الأحزاب والمجموعات التي تحرص على تقديم البديل على الفريق الحاكم.

إننا في مرحلة لا تحتمل فيها الأمة أية حركة بهلوانية على مستوى المعارضة، وأي تغاض عن المسئولية الكبرى على مستوى الحكم، لأن ما يرسم لنا من مشروعات إضافية لمصادرة ما تبقى من مواقع للممانعة في واقعنا هو أخطر بكثير مما نتداوله في الخطاب اليومي في المواقع الموالية أو المواقع المضادة لها، ولأننا مقبلون على مراحل أكثر صعوبة وخطورة وخصوصا أننا نواجه خطط الأعداء على أساس فردي أو من خلال ما تراه هذه الجماعة أو تلك بينما تتحرك المشروعات الاستكبارية في مواجهتنا على أساس شمولي. إننا لا نريد لكل دعاة الإصلاح أن يتنازلوا عن شعاراتهم أو يهجروا مواقعهم في خضم ما يحاك ضد الأمة، لأن واحدة من كبريات مشكلاتنا تتمثل في غياب حركات الإصلاح أو في تدجينها أو في هروب المصلحين من الساحة، ولكن على هؤلاء أن يوازنوا بين ما يمكن تحقيقه في الداخل وما ينبغي مواجهته من هجمة تأتي من الخارج، لأننا نلمح هجمة استبكارية كبرى تتجاوز كل الشعارات والعناوين المذهبية التي تلقى في ساحة المنطقة لتنقض على البقية الباقية من مواقع الرفض العربية والإسلامية.

إن الوضع في فلسطين مقبل على المزيد من المحاولات الإسرائيلية والأميركية لإخضاع الفلسطينيين وترويض القيادات الجديدة وفق الأولويات الجديدة لكل من شاورن وبوش، ونحن نتوقع سياسة إسرائيلية أكثر دموية في الأشهر المقبلة تحت عناوين السلام المثارة وفي ظل الحديث المزعوم عن إحياء خريطة الطريق، كما أن الوضع في العراق يسير في خط الفوضى المتصاعدة ومن خلال السعي الأميركي إلى إدخال الجميع في المأزق، لأن أميركا الإدارة تريد لكل الأطراف في العراق وللمواقع التي تجاور العراق أن تغرق معها في الوحول الأمنية والسياسية لأنها لا تفكر بمصالح الشيعة أو السنة، بل بالطريقة التي تساعدها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي رسمتها قبل غزو العراق ولو أدى ذلك إلى خراب البصرة وما يجاورها، ولا تقتصر المسألة في الخطة الأميركية على العراق وفلسطين بل تتجاوزهما إلى كل مواقع الأمة.

إننا، كأمة وعلى مستوى الحكم أو المعارضة، مدعوون إلى رص صفوفنا بعيدا عن التلاوين السياسية أو العناوين المذهبية، لأن الأخطار المتحركة والمتنقلة في مواقعنا وتلك الداهمة هي أكبر بكثير من الكلمات التي نتراشق بها ونخون فيها بعضنا بعضا، ومن الأوهام التي يصوغها كل فريق حول الفريق الآخر ومن بيوت الرمال السياسية التي تصنع على هذا الشاطئ السياسي أو ذاك، لأن أمواج المد السياسي تأتي لتقاذفها ليس على حساب صانعيها فحسب، بل على حسابنا جميعا

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً