لاشك أن بيروت والقاهرة تعدان من العواصم العربية التي تشع بالثقافة والفكر لبقية البلدان العربية لما تتمتعان به من ثقل بحكم التاريخ والموقع والنشاط السياسي المكثف. ومن الطبيعي أن ينعكس كل ما يدور في هاتين العاصمتين إيجابا أو سلبا ويؤثر في المحيط الجغرافي القريب والبعيد. وعليه فمن الأفضل للدول العربية من المشرق إلى المغرب أن تحافظ هاتان العاصمتان الحضاريتان على هذه الصفة والميزة، وأن تظلا مركز إشعاع يمد البلاد الأخرى بما هو مفيد للحاضر والمستقبل.
من سخرية القدر أن تنحرف بيروت التي ينظر إليها على أنها مركز ديمقراطي وثقافي حر عن هذا الدور، وتتراجع للخلف بسبب ظروف آنية ولأسباب سياسية طارئة. من الخطأ أن يؤثر ما هو طارئ على ما هو باق وهو الدستور الذي ارتضاه الشعب اللبناني وسار على هداه سنوات عدة.
لقد أدخل الرئيس إميل لحود لبنان والأمة العربية في ورطة عدم احترام الدساتير والإقدام على تعديلها لغايات فردية بغية البقاء على سدة الحكم لولاية أخرى. وكان من الأجدر بالبرلمان اللبناني أن ينتصر للدستور والمؤسسات ولا يستجيب لطلب الحكم مهما كانت الأسباب ليسجل بذلك مبدأ الدفاع عن المؤسسية عل ذلك ينقلب خيرا على بقية البلدان العربية خصوصا في وقت كثرت فيه دعوات الإصلاح.
ما يدور في القاهرة هذه الأيام يشبه من ناحية ما حدث في بيروت، إذ تطالب الكثير من القوى السياسية والحقوقية بأن ينص في الدستور والقانون في مصر على حد معين لتجديد ولاية الرئيس وأن تتجنب البلاد لعنة توريث الحكم كما حدث في بلدان أخرى. ونحن هنا لسنا بصدد تحديد موقف بشأن من يحكم من ولكن نسعى لتأكيد الوسيلة المثلى للوصول إلى كرسي الحكم بصورة ترضي الجميع وتتمتع بالشفافية التامة. وكل الخوف أن تنساق مصر هي الأخرى في طريق بيروت وتقدم لنا هي الأخرى نموذجا سلبيا لحال الأمة العربية يحبط كل الآمال ويخرس كل الأفواه التي تنادي بالتغيير للأحسن
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ