العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ

أحلام سارة

الرياض - بهية بوسبيت 

تحديث: 12 مايو 2017

نشأت في بيت متوسط الحال بين أب عطوف وأم حنون، وعدد من الإخوة والأخوات. .. كنت أكبرهن... وكانت حياتي تسير هادئة وادعة... ومنذ أن دخلت المرحلة المتوسطة... دخلت على إثرها عالم الأحلام الوردية، وإن كان البعض من الناس يحلو لهم أن يطلقوا على أحلام من هن في مثل سني أحلام المراهقات، لكوننا مازلنا في سن الطفولة وآمالنا لا تعدو كونها أماني طفولية لا أساس لها من الصحة... ومع ذلك أنا مع هؤلاء الذين يسمونها كذلك، وخصوصا في بداية هذا السن فالأحلام كثيرة والاماني كبيرة، بعضها خيالي وآخر مضحك وبعضها مستحيل... ولكن الحاجة وقسوة الحياة في أحيان كثيرة تجعل منها متنفسا للأزمات تزاحم نفوسنا. توفي والدي رحمه الله وأنا مازلت على اعتاب المرحلة الإعدادية... وبموته فقدنا ينبوع الحنان الكبير، وبحر الحب والأمان، انقلبت حياتنا رأسا على عقب، تملكتنا موجة من الاحساس بالغربة والضياع... زادت احتياجاتنا... قل المورد المالي لدينا... بدأت أمي تتبع أسلوب الاقتصاد في كل متطلباتنا ومتطلبات الحياة، أحلامي أن أحصل على عمل اساعد به في أسرتي، ولاسيما أن أمي كانت تعلق علي آمالها... حينما وصلت للسنة الثالثة من المرحلة الثانوية كبرت أحلامي... ونمت آمال إخوتي... ومضت امنياتهن وطلباتهن تتجلى لي، أمي بدأت تخرج من قوقعة الحزن التي كانت تعيش داخلها الخوف على مستقبلنا من المجهول... الجميع يتسابقون في إرضائي، وتهيئة الجو لي للمذاكرة وأنا ابذل قصارى جهدي لكي انجح بتفوق... في فترة امتحانات الدور الأول أصيبت أمي بمرض مفاجئ نتيجة تعرضها لموجة برد مشبعة بالرطوبة، لأن بيتنا يقع بالقرب من شاطئ البحر، مسئوليتي كانت كبيرة جدا وشاقة... فأمي تتطلب رعاية ومساعدة، والبيت يحتاج إلى إشراف وتنظيف... اخواتي يردن من يساعدهن في أمورهن ومتابعة مذاكرتهن اما وقت مذاكرتي فكان قليلا... بالإضافة إلى أن فكري كان مشتتا... نجحت والحمدلله، ولكن لم أنجح بتفوق كما تمنيت، وبهذا انهار أول أحلامي.

حين علم إخوتي بنجاحي أسرعوا يزفون لي التهاني وهم يحملون الصحيفة التي تحمل اسمي... ومعها طلباتهم وأمانيهم... قالوا لي مبروك يا سارة ها قد نجحت وتخلصت من المدرسة... وبعد أسابيع ستصبحين موظفة... فلا تنسي أن تحققي لنا ما وعدتنا به... ابتسمت في سعادة امتزجت بالأمل وقلت لهم لن أنسى ابدا يا أعزائي ما تريدون... اقترب محمد الصغير وقال انا اريد دراجة زرقاء... في حين طلبت رزان التي تكبره بعامين قصصا ملونة... وأخي الذي يكبرها بعامين طلب أتاري والأكبر منه طلب ساعة يد، أما هدى التي تصغرني فقد تمنت أن اشتري لها قلادة ذهبية حتى لا تكون صديقاتها أفضل منها في المدرسة. ابتسمت لهم جميعا وقلت وانا أغالب دموعي كي لا تظهر وقد خنقتني العبرات: ابشروا بالخير عندما يكرمني الله تعالى وأعمل سأشتري لكم كل ما تريدون ومن أول راتب إن شاء الله، جمعت أوراقي المهمة في ملف علاقي أخضر... وذهبت إلى مكتب التوظيف النسوي للدخول في المسابقة الوظيفية التي يعلن عنها ديوان الخدمة المدنية كل عام... ولكنني فوجئت برفض ملفي للاكتفاء بعدد معين. كانت مفاجأة مؤلمة بالنسبة إلي لم أكن اتوقعها ابدا... وبهذا انهار حلمي الثاني وتلاشت آمالي... وسحقت امنيات اخوتي، حمدت الله تعالى الذي لا يحمد على مكروه سواه... وخرجت والغصة تكتم أنفاسي والدموع تحجب الرؤية عن عيني. وبينما انا في الطريق إلى الباب الخارجي... خطرت في بالي فكرة... وإن كانت فكرة لا تحقق كل حلمي... بل جزءا منه... لم لا أعمل معلمة في مجال محو الأمية؟ راقت الفكرة لي بعض الشيء، وعندها تنفست الصعداء وأنعش الأمل روحي... وقررت أن أرضى بالقليل لتحقيق الأمل، قدمت ملفي مرفقا به طلب العمل في إحدى مدارس محو الأمية، في اليوم التالي وقبل أن اسأل عن موعد المقابلة الشخصية... فوجئت بالمسئولة تقول لي إن تقديم الطلبات عند المسئول عن قسم محو الأمية... ولكن ملفك لن يقبل لأن الإدارة لم تعد بحاجة إلى معلمات... لماذا؟ سألتها بجزع... أجابت: بسبب الاكتفاء، حملت خيبتي على كتفي وامتصصت ألمي وقلت لها وانا أقاوم عبراتي: شكرا لك على كل حال.

وخرجت وقلبي يحترق وقد هوى قصري الأخير كما هوى الآخرون... في البيت سألتني أمي: ما بك يا سارة؟ تبدين على غير مايرام، كان سؤالها خنجرا مزق قلبي وايقظ جروحي التي حاولت أن اخفيها... ابتسمت في مرارة: لا شيء يا أمي، قالت: انا ام وإحساس الام لا يكذب قولي لي بصراحة ماذا حدث معك؟ صمت في أسى فتابعت: ما بك صامتة؟ قلت بعد أن جمعت كل شجاعتي: لقد قررت أن أدرس بدلا من العمل، حتى أفضل دخلا مستقبلا. العمل في محو الأمية... راحت تتفرس في وجهي وانا اداري نظري عنها لكي لا تلتقي عيناي بعينيها... ولكنها أدركت ما يجول في خاطري، فقالت لم تحصلي على عمل هاه؟ بكيت من الحرقة لم استطع الصبر أكثر من ذلك، لا بأس يا ابنتي كل شيء مكتوب لقد صبرنا كثيرا ونستطيع أن نصبر سنتين أيضا.

قلت: وأحلام اخوتي وامانيهم، لا عليك انهم مازالوا صغارا... وغدا ينسون، الحمد لله أن التسجيل في الكلية لم ينته بعد، الحمد لله يا أمي. قدمت أوراقي إلى ادارة الكلية... لم يتم قبولي كان وقع الخبر علي قويا... وكانت آلامي لا تحتمل فلم تعد هناك فرصة أو عمل.

انقضى عام من عمري وانا قابعة في بيتي اصارع آلامي وأبكي حظي العاثر بعد عام قدمت أوراقي من جديد لعل الحظ يحالفني، لم أقبل أيضا بسبب ضعف مجموعي كبرت خيبة أملي... زادت مطالب الحياة، وكثرت طلبات اخوتي واحتياجاتهم، وبذلك زاد همي وانتابتني حال من الخوف واليأس فالجميع يعلقون آمالا علي، عندما قدمت اوراقي للمرة الثالثة هذا العام صدمت بإرجاع ملفي لأن الكلية قد حددت نسبة خمسة وثمانين في المئة كحد أدنى للقبول بسبب كثرة الخريجات وأعطيت الأولوية للخريجات الجدد وبحسب التقديرات اسقط في يدي فكرة في حل آخر وهو التسجيل في جامعة خارج منطقتنا، ولكن أمي اعترضت على الفكرة عندما عرضتها عليها قائلة: إن هذه الفكرة ضرب من الجنون، وخرقا للعادة والتقاليد وانني لو فعلت ذلك أكون قد اتيت عملا مشينا في حق الاسرة والمجتمع، فهذا عيب كبير... الجهل عند بعض العائلات لايزال يشكل حاجزا امام التقدم والتطور، لم ادر كيف اتصرف لقد سدت في وجهي جميع السبل، لا وظيفة ولا دراسة... احلامي كلها تلاشت في مهب الريح.

من المسئول عن ذلك؟ من المسئول عن انهيار أحلامي وأحلام اخوتي؟ وأحلام الكثيرات غيري؟ وخصوصا اللاتي لهن ظروف اسرية مثلي، إنني أتمنى أن يكون مستقبل اخوتي أفضل مني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً