في السادس والعشرين من فبراير/ شباط 1999 قال أحد كبار المسئولين إن "العلاقات بين البحرين والسعودية وصلت إلى ذروة قمتها ونمائها". ولم يكن معروفا القصد من هذا التصريح آنذاك: هل هو تأكيد لقوة العلاقات؟ أم أنها وصلت إلى نهاية مرحلة بحاجة إلى إعادة صوغ من جديد؟
وما حدث خلال قمة مجلس التعاون الأخيرة التي استضافتها المنامة يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة بعد أن تم تجميد الأزمة البحرينية السعودية بسبب التوقيع على اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما أثار تحفظات الرياض باعتباره "مخالفا لاتفاقات التكامل الاقتصادي الخليجي". مثل هذا التجميد من شأنه أن يثير الكثير من التساؤلات والإشكالات خلال الفترة المقبلة نتيجة حال اللاحسم التي اتسم بها.
ولكن يبدو أنه لا توجد اطروحات ومرئيات في الوقت الراهن بشأن العلاقات المستقبلية مع الشقيقة الكبرى، وبالتالي فإن المجال متاح حاليا لإعادة النظر في مستقبل هذه العلاقة بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الاعتبارات الذاتية، كما يجب الابتعاد عن المزايدات الإعلامية والإثارة الصحافية التي بدأ فيها بعض الكتاب عبر الصحافة العربية والدولية إلى درجة اعتبار السياسة الخارجية البحرينية "تمزيق لكيان الأمة العربية" ووصفها بـ "حال تمرد من ابن ملتزم طوال سنين".
تاريخيا يمكن النظر إلى العلاقات البحرينية السعودية واعتبارها "مثالية" على مستوى العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويعود ذلك إلى الظروف الإقليمية التي هيأت لمثل هذه الحال في العلاقات الإقليمية، إذ شهدت العلاقات السياسية بين البلدين استقرارا واضحا منذ العام .1958 ومن أبرز العوامل التي أدت إلى تشكيل علاقة بحرينية سعودية مميزة حسم قضايا الحدود بين البلدين منذ فترة طويلة، فقد تم توقيع اتفاق ثنائي في العام 1949 لتنظيم استثمار قاع الخليج في المساحة الفاصلة بين الأراضي البحرينية والسعودية، ليتم التوقيع في العام 1958 على اتفاق لترسيم الحدود المشتركة، وبذلك تم حسم مسألة الحدود وتجنب أية خلافات قد تنشأ مستقبلا بشأن هذه القضية.
مثل هذه الحقيقة التاريخية ساهمت بشكل ملموس في خلق علاقات ثنائية قوية تصل إلى شكل من أشكال التحالف في مختلف المجالات، وهو ما كان غائبا بدرجة من التفاوت في العلاقات الخليجية الخليجية الأخرى باستثناء العلاقات البحرينية السعودية. ويمكن رصد حجم التنسيق والتعاون في العلاقات عن طريق تحديد حجم الزيارات المتبادلة بين كبار المسئولين في البلدين والتي وصل عددها خلال الفترة من أغسطس/ آب 1997 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2003 إلى نحو 101 زيارة متبادلة. بالإضافة إلى عدد الاتصالات الهاتفية بين كبار المسئولين والتي وصل عددها في الفترة نفسها إلى 34 اتصالا هاتفيا.
كما يمكن متابعة أهم الحوادث في العلاقات بين البلدين خلال السنوات السبع الماضية في مواقف السياسة الخارجية لكل بلد تجاه الطرف الآخر، إذ بدأت بالدعم السعودي للحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي البحريني خلال حركة الاحتجاج السياسي التي عصفت بالبلاد في التسعينات، وأكدت السعودية في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 1997 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الموقف وأعربت عن تأييدها للإجراءات التي اتخذتها البحرين في هذا الصدد. ثم أعلنت تأييدها انتخاب المملكة عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي "1998 - 2000" في الشهر نفسه واعتبرته نقطة انطلاق لمجلس التعاون، والتزمت الرياض بالحياد في النزاع الحدودي بين البحرين وقطر، كما أيدت السعودية لاحقا الإصلاحات السياسية والتحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد.
بالمقابل فقد دعمت البحرين مواقف السياسة الخارجية السعودية، وأعلنت ترحيبها بمساعي الرياض في معالجة المسائل الحدودية العالقة، كما هو الحال بالنسبة للاتفاق الحدودي السعودي الإماراتي في يونيو/ حزيران ،1999 والاتفاق السعودي اليمني في يونيو ،2000 ثم الاتفاق السعودي الكويتي في يوليو/ تموز من العام نفسه. وفي السابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2002 انتقدت البحرين بشدة الهجمة الغربية على السعودية في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
وفي النهاية يمكن النظر إلى أن الحرب العالمية على الإرهاب قد أثرت كثيرا في العلاقات البحرينية السعودية بعد ظهور حالات من العنف العرضي كما ظهر في حوادث رأس السنة بالبحرين، ثم اعتقال مشتبه بهم من البحرينيين في السعودية والعكس. كل ذلك يعكس عدة مؤشرات في العلاقات يمكن تحليلها ورسم رؤية مستقبلية لكيفية إعادة صوغ العلاقات بشكل متوازن. وللحديث صلة
العدد 852 - الثلثاء 04 يناير 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1425هـ