تعقد الانتخابات العراقية في موعدها أو لا تعقد، ليس هذا هو السؤال؟ السؤال: من يتخذ قرار التأجيل؟ مسألة الطرف الذي يتخذ قرار التأجيل مهمة وهي ما يجب على القوى والأطراف والهيئات العراقية الاتفاق عليها. فالاتفاق على القرار بعقد الانتخابات في موعدها أو التفاهم على تأجيلها يعتبر نقطة افتراق أساسية بين الشعب في مختلف فئاته واطيافه ومذاهبه ومناطقه وبين الاحتلال. فالمسألة الأساسية هي من يملك القرار في العراق ومن يدير اللعبة السياسية وبالتالي من يقرر موعد الانتخابات ومن يقرر تأجيلها. ومن ينتصر في هذه المعركة ينتصر في الحرب.
المسألة في النهاية لها صلة بحرية القرار واستقلال العراق وسيادته، وهذه النقطة تعتبر الفيصل السياسي في معركة طرد الاحتلال. وغير ذلك يعتبر من التفصيلات الشكلية لأن جوهر المسألة: من هو صاحب القرار؟ الشعب العراقي ام الاحتلال.
إذا اتفقت الأطراف العراقية على تأجيل الانتخابات وتحديد موعد آخر لانعقادها فمعنى ذلك أن حرية القرار انتزعت من الاحتلال وبات بإمكان الأطياف الأهلية التفاهم على موعد مشترك لا صلة له بالمواقيت التي تحددها الدول الكبرى. وإذا اتفقت الأطراف العراقية على تثبيت موعد الانتخابات وتفاهمت على صيغة موحدة لإخراجها من مأزق المقاطعة تكون الأطياف الأهلية توصلت إلى اتخاذ خطوة ايجابية متقدمة على طريق حرية العراق واستقلاله.
الاستقلال لا يأتي من عقد الانتخابات ولا يأتي أيضا من تأجيلها أو مقاطعتها وانما يبدأ من الوحدة الوطنية الداخلية وانتزاع القرار من إدارة الاحتلال. فهذا هو جوهر الموضوع ومبتدأ الخبر.
اما إذا ترك القرار للاحتلال في تقرير مصير الانتخابات فإن الأمر يصبح على سوية واحدة في الحالين، ويصبح الفارق بين تثبيت الموعد أو تأجيله يساوي صفرا. فما الفائدة إذا قرر الاحتلال تأجيل الانتخابات إذا كانت إدارته في النهاية هي صاحبة القرار وهي الطرف الوحيد المؤهل في إدارة اللعبة السياسية وتقرير مصير الشعب العراقي. فالمقاطعة خطأ سياسي فادح إذا كان قرار التأجيل سيتخذه الاحتلال.
الاتفاق الوطني هو اساس الموضوع، ومن هو الطرف المعني باللعبة، ولمن تعود مرجعية اتخاذ القرارات، ومن هو صاحب القرار؟... كلها أمور تمس السيادة وهي جوهر المسألة. فالجوهر ليس الانتخابات وانما الاستقلال والاتفاق على التحرير وتأمين السيادة الوطنية وهذه الأمور تتطلب ما يشبه البرنامج السياسي المشترك الذي يحدد سلم أولويات للخطة الوطنية المقبلة والخطوات التنفيذية الواجب اتخاذها لدرء التلاعب الذي يمكن أن يلجأ الاحتلال اليه لزرع الفتنة بين القوى المحلية. فالجبهة الداخلية هي الأهم والانتخابات وسيلة من وسائل تعزيزها وتثبيتها وهي منطلق القاعدة المشتركة لقطع الطريق على الفتنة التي يخطط لها الاحتلال لتبرير وجوده وبالتالي انتزاع شرعية من الأمم المتحدة تغطي استمراره العسكري في بلاد الرافدين.
الانتخابات ليست من هموم الاحتلال وانما همه يتركز على من يملك قرار تثبيت الموعد أو تأجيله. فاذا نجحت الأطراف العراقية على موقف موحد سلبا أو ايجابا فمعنى ذلك انها فازت في معركة الاستقلال والحرية... لأنها تكون توافقت على انتزاع القرار من الاحتلال وجعلت من مسألة الانتخابات نقطة فاصلة في معركة استرداد السيادة. وهذا النجاح السياسي يعتبر بحد ذاته قوة فصل بين المجموعات الوطنية من جهة والمجموعات المستفيدة والمتعاملة مع الاحتلال من جهة أخرى.
والاحتلال أيضا ليست من اهتماماته الأولى من يترشح ومن يقاطع ومن ينسحب أو من يسقط أو يفوز. فادارته تدرك من الآن ان المتعاملين مع الاحتلال لا نصيب لهم في المعركة الانتخابية ومخاوفها تنصب على وصول فريق إلى المجلس التشريعي يتمتع بصلاحيات ومواقع نفوذ شعبية قد تضغط عليه لاحقا للخروج من البلاد ودفع تعويضات للشعب العراقي عن الاضرار التي اصابته.
الأولوية عند الاحتلال هي تأمين الذرائع السياسية لوجوده سواء باستخدام الانتخابات واسطة للفتنة أو استغلال التأجيل واسطة أخرى لتفجير الوضع الأمني ومنع انعقادها نهائيا بذريعة الاضطراب الأهلي.
تعقد أو لا تعقد الانتخابات ليس هذا هو المهم. المهم هو أن تتفق الأطياف العراقية على موقف موحد وتمنع بذور الفتنة... والأهم هو أن تتفاهم على أن تكون هي صاحبة القرار الأخير في تثبيت الموعد أو تأجيله. فالمسألة لها صلة بالقرار ومن هو الطرف الذي يدير اللعبة؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 852 - الثلثاء 04 يناير 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1425هـ