واحدة من أهم أولويات المرحلة الحالية تحسين الوضع المعيشي للمواطن، وإن كنا لا نرى على أرض الواقع حاليا ما يفيد ذلك الا أننا نقر بأن هناك شعارات ترفع بين الفينة والأخرى باتجاه ذلك، وما فكرة مكافأة الأداء السنوية "البونس" التي وعدت الحكومة بتنفيذها مطلع العام الجاري والتي بدأ الرأي العام يتحدث عنه في الآونة الأخيرة الا صورة من صوره الكثيرة.
ثمة أسئلة يود المرء أن يطرحها للمناقشة والوضوح فيها متعلقة بشكل مباشر وأساسي بقضية "البونس"، وإذا كان لابد من طرحها فلابد من تحري الدقة والوضوح والشفافية المطلقة حيالها حتى نكون بمنتهى الأمانة والمسئولية، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما الهدف الأساسي من "البونس"؟ الفئات المستحقة "للبونس"؟ وكيف سيتم تحديد المعايير والاشتراطات "للبونس"؟ وهل المعايير والاشتراطات متفق عليه؟ وهل "البونس" بشكله الحالي كفيل بتحقيق الهدف الأساسي منه؟ ما الإيجابيات والسلبيات "للبونس"؟ ما هي الآثار المترتبة لإقرار "البونس"؟ و... وأخيرا متى سيتم تطبيقه؟
للإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها لابد أن نراعي بشكل أساسي الهدف من ورائه، فإذا كان الهدف من إقراره مثلا تحفيز العاملين والمجدين وإتاحة الفرص الكفيلة لمزيد من الجد والاجتهاد، حينها لابد من وضع معايير واشتراطات دقيقة ليتم الكشف عن هؤلاء بشكل دقيق جدا من دون ظلم أو جور، تحقيقا للغاية بحيث نتمكن من خلالها الحكم على الناس وتصنيفهم تصنيفا دقيقا ولا ننجر حينها إلى التحيزات الشخصية أو التعصبات، أو التمييز الطائفي أو العرقي أو التحزبات... أو ما شابه ذلك، كما لابد أن نراعي نفسية الموظفين الآخرين بحيث يكون الاختيار واضحا وشفافا لأننا نخشى أكثر ما نخشاه أن لا نوفق كثيرا في ذلك وبالتالي يصبح "البونس" وبالا علينا، إذ نخسر حينها عامل التحفيز والاستثارة للموظفين ونخسر أيضا احترامنا أمام الموظفين والعاملين خصوصا إذا ما أسيء الاختيار. وعليه فيجب دراسة الموضوع بتأن تام، كما لابد من دراسة النتائج التي من المتوقع أن تترتب عليها إذا ما طبق هذا النظام بعلاته، فحينها لا مكسب ولا ربح يرجى منه بل خسارة وضياع، لهذا لابد من دراسة الأوضاع المتعلقة "بالبونس" دراسة وافية مع مراعاة الاستماع لجميع الملاحظات من الجهات كافة، حتى لا يتم ولادته مشوها معوقا، وبالتالي احتياجه إلينا أكثر من حاجتنا إليه، بعكس ما نطمح منه من توفير الدعم المادي والمعنوي لجميع الفئات العاملة والمخلصين تحديدا.
"البونس" بوضعها الحالي للأسف الشديد كما نراه من خلال ما يكتب عنه هنا وهناك، لا يتناسب وطموح الفرد، إذ يقسم الفئات العاملة إلى أربعة مستويات متباينة: ممتاز، جيد جدا، جيد ومرضي، كما يميز بين الموظف وغيره بصرف مبالغ مقطوعة تختلف من عامل لآخر تبعا لتقريره السنوي، إذ حددت على سبيل المثال 5 في المئة من شريحة الفئات العاملة والذين هم من يمتلكون تقدير ممتاز 75 في المئة بمعنى آخر أنه لكي ترضى نسبة ما مقداره 5 في المئة من الفئات العاملة والذين يعملون في أية مؤسسة حكومية لابد أن يقابله ذلك سخط واستياء 95 في المئة من الفئات العاملة والذين يعملون في المؤسسة نفسها، وبالتالي "البونس" بوضعه الحالي يفرض قيودا وأطرا تضيق من خلاله الخناق على من هم في قمة الهرم وبالتالي إستياء وسخط من قبل الموظفين ينجم عنه شعور بالإحباط واليأس مما يؤثر بشكل أو بآخر على الإنتاج، فالموظف على أحسن تقدير يشعر بأنه في غنى عن "البونس" طالما أنه سيعمل على إثارة الحساسيات والمشكلات النفسية والاجتماعية بين زملاء العمل التي لا أول لها من آخر في مقابل أنه يحصل على الدعم النفسي بشكل سنوي إذ إنه يحصل على تقرير وظيفي سنوي يتناسب مع جهده طوال السنة، غالبية الموظفين على اختلاف عملهم يرون بأنه ما لم يحسم موضوع "البونس" فإن هذا المشروع يبقى فاشلا لأن نتائجه المترتبة عليه لا تحمد عقباها، وهم في رضا تام أن يحصلوا على تقرير يشبع وضعهم النفسي أحسن من تقرير يجعلهم في وضع نفسي سيئ ولا يوفر لهم دعما ماديا، فالدعم المعنوي "تقرير الأداء الوظيفي" على المحك من الدعم المادي "البونس"، خصوصا إذا ما لاحظنا بأن نسبة من سيحصلون على 75 في المئة من راتبهم هم شريحة قليلية جدا لا تتجاوز الـ 5 في المئة، فهل الخيار التي أمامنا يكمن في فرض نسبة معينة تصلح لأن تكون قاعدة لجميع الموظفين وبالتالي يكون هناك مبدأ تكافؤ فرص، يتساوى حينها المجد النشيط من الكسول البليد؟ أو من الممكن أن يتم توسعة النسبة المستحقة لـ 75 في المئة من الراتب الأساسي فبدلا من 5 في المئة يتم رفعها، وهكذا.
ولنتذكر أنه في السابق على رغم أنه لا يوجد مردود مادي ناتج من تقرير الأداء الوظيفي للفئات العاملة، ومع ذلك يصاحب توزيع التقارير وتصنيف الفئات العاملة وفقا للتقديرات بشكل سنوي مشكلات وتصادمات عدة بين الرئيس والمرؤوس، وأيضا بين زملاء العمل، فما بال الوضع الحالي والتي تترتب عليه أمور وأمور، فإن الواقع يفرض علينا أن نكون في منتهى الحرص والدقة في قبول الآلية المتعلقة بإقرار "البونس" سواء في شكله الحالي أو في صوره وأشكاله التي لم تتبلور بعد، وهذا يؤكد ما أشرت إليه في بداية حديثي عن الدقة والوضوح في الطرح لتجنب البلبلة والجدل وبخس حقوق العاملين
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 852 - الثلثاء 04 يناير 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1425هـ