يستعد مجلس التنمية الاقتصادية خلال الأسابيع المقبلة لطرح مشروع الاصلاح الاقتصادي المنشود في البحرين. وهذا الموضوع ليس جديدا لو أخذنا في الاعتبار الدراسات السابقة التي قامت بها مؤسسات متخصصة استعان بها مجلس التنمية. ولذلك فإن الأنظار تتوجه الى "عقول البحرين" التي تستطيع أكثر من غيرها ان تفهم واقعها وتنطق برأيها فيما لو اقتنعت بأن رأيها ستكون له فائدة وانه سيتم تنفيذ الرؤى التي تتوافق عليها الارادة البحرينية. والواقع ان غرفة تجارة وصناعة البحرين تقع عليها مسئولية تاريخية أن تأخذ بزمام المبادرة للتعبير عن رأي القطاع الخاص وعن الاختصاصيين البحرينيين الذين لا تنقصهم الفكرة بقدر ما تنقصهم القدرة على ايصال رأيهم ومن ثم تنفيذ تلك الرؤية بالتعاون الصادق مع الهيئات المعنية.
وبما ان البحرين ستستضيف "منتدى المستقبل" في نهاية العام الجاري فإنه من المتوقع ان تصبح المنامة قبلة لأهم العقول الاستراتيجية والاقتصادية المؤثرة في المنطقة للمشاركة في الحوارات التي ستدور في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وسيكون من النقيصة علينا نحن البحرينيين فيما لو انتظرنا حتى نهاية العام من دون ان "نتفاكر" فيما بيننا ونطرح رؤيتنا لمستقبل البحرين الاقتصادي - التنافسي.
وعندما يتحدث الاقتصاديون عن التنافسية فإنهم لا يقصدون المنافسة السلبية التي تنتهجها دول الخليج ضد بعضها بعضا، فأجواؤنا تغرق بخطوط الطيران المتنافسة، وبلداننا تمتلئ بمصاهر للألمنيوم المتنافسة، وهكذا في كل صناعة وفي كل مجال، ما يجعل الحديث عن "سوق خليجية مشتركة" حلما ورديا نتغنى به كما نتغنى بالوحدة العربية التي لم تكن موجودة في يوم من الأيام ولا يبدو انها ستوجد في المستقبل المنظور.
الاقتصاديون يقصدون بـ "التنافسية" استطاعة هذا البلد أو ذاك أن يلعب دورا استراتيجيا ومكملا للبلدان التي تتعامل معه بصورة تؤدي إلى الحصول على مكاسب جوهرية. فالبحرين لا يمكنها ان تنافس دول الخليج المحيطة بها في كثير من المجالات. فمصادر الطاقة "النفط والغاز... مثلا" متوافرة بصورة كبيرة لدى الآخرين بينما ما لدينا لا يقاس عند المقارنة. كما اننا لا نستطيع ان ننافس دبي في أي من مشروعاتها، لأن دبي لها استراتيجية خاصة تعتمد على وجهة نظر قد لا تناسب البحرين.
البحرين لديها الموارد البشرية، وهذه الموارد يحتاجها الخليجيون، فيما لو تم اعدادها لتكميل اقتصادات الدول المجاورة وبالتالي خلق الموقع التنافسي الذي يضمن للبحرين مجالا تستطيع من خلاله رفع مستوى المعيشة للمواطن.
ما نحصل عليه مثلا، من جسر الملك فهد هو انتعاش تجارة التجزئة والمجمعات وهو قطاع يتوسع لأن هناك قوة شرائية تحرك السوق. وهذا يعطينا موقعا تنافسيا يخدم بلدنا ويخدم السعوديين. الحال نفسها لو فكرنا في المستقبل مع قطر. فقطر لديها اكبر مصانع الغاز في العالم وهي ستحتاج إلى آلاف وآلاف من الفنيين والمهندسين خلال السنوات المقبلة. ونستطيع ان نتكامل معها من خلال توفير الموارد البشرية المتدربة.
ولكن قبل أن نستطيع التكامل مع الاقتصاد القطري فإننا بحاجة إلى الجسر مع قطر الذي كلما سمعنا عنه ازداد يأسنا من تحقيقه. اننا أيضا بحاجة الى سكة حديد تنقل آلاف الناس صباحا وترجعهم مساء، وبحاجة إلى أنابيب الغاز الممتدة من قطر إلى البحرين. وفي هذه الحال فإن القطريين سيستفيدون من موارد بشرية متطورة لا تشكل خطرا ديموغرافيا، وليست عبئا على أنظمة الصحة والتعليم القطرية، فالذين يذهبون في الصباح يعودون في المساء.
الغريب ان القطاع الخاص "وغرفة التجارة في المقدمة" لم يتقدم ابدا باقتراح لإنشاء الجسر الذي سيعود عليه بكل ما يريد من ارباح بعد سنوات من تشغيله، والغريب ان الحكومة لم تبادر لدعوة القطاع الخاص، ومازالت تحتفظ بشركة ألمنيوم البحرين "ألبا"، التي لو انتقلت الى القطاع الخاص لحركته ونقلته إلى أعلى الآفاق، وخصوصا انها ستتمكن من عقد اتفاقات اقتصادية وتحصل على الغاز من الخارج من دون معوقات سياسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 852 - الثلثاء 04 يناير 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1425هـ