العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ

الأحزاب السياسية والإصلاح في العالم العربي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عقدت في بيروت حديثا ورشة عمل نظمها المركز اللبناني للدراسات بالتعاون مع مؤسسة كونارد اديناور بعنوان: "الأحزاب السياسية في العالم العربي، التحديات الراهنة ومجالات الإصلاح"، شارك بتقديم أوراق والتعقيب عليها ومناقشتها نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب، ثم عقدت طاولة مستديرة جرى فيها مناقشة الموضوع واستخلاصات الورشة.

افتتح الورشة سليم نصر إذ عرض أهداف ومنهاج الندوة ثم توالت الأوراق: ورقة محمد مالكي "تجربة الأحزاب في المغرب"؛ موسى شتوي "تجربة الأحزاب في الأردن"؛ فؤاد الصلاحي "تجربة الاحزاب في اليمن"؛ صاحب المقال "التنظميات السياسية والمشروع الاصلاحي في البحرين"؛ شوكت اشتي "تجربة الاحزاب في لبنان"؛ صلاح زرنوقة "الاحزاب السياسية في مصر"؛ عبدالناصر جابي "الاحزاب السياسية في الجزائر"؛ المحامي صلاح الدين الجورش "الاحزاب السياسية في تونس".

وبعد ذلك عقدت طاولة مستديرة تحدث فيها عدد من المحاضرين، ثم جرت مناقشة عامة للمشاركين في الورشة، واستخلاص النتائج والتوصيات.

اعمال الورشة ستصدر في كتاب من قبل المركز اللبناني للدراسات بنهاية هذا العام ولكن المفيد عرض بعض الافكار المشتركة في مختلف تجارب الاحزاب العربية في اصلاح الذات والمواقف من مشروعات الاصلاح المطروحة داخليا او خارجيا.

طبعا لا يمكننا اختزال جميع الاحزاب العربية في نموذج واحد فالبيئة التي انتجت هذه الاحزاب والتنظميات السياسية التي لم ترق الى مستوى أحزاب حتى الآن، متباينة كثيرا، حتى داخل البلد الواحد، وتاريخها مختلف.

اولا: الظاهرة المشتركة الاولى هي ان الاحزاب العربية لا تحكم حتى في أكثر التجارب ديمقراطية، فحتى المغرب إذ الاقرار رسميا بتناوب السلطة، فان الاحزاب التي في الحكومة لا تحكم، بل تدير شيئا من أعمال الحكومة وتملك بعض صلاحياتها، ومازالت وزارات السيادة خارج نطاق الحزب المناوب، اذا لم يكن حزب السلطة. أي اننا مازلنا بعيدين عن تدوال السلطة بين احزاب متنافسة على اصوات الناخبين.

ثانيا: ان ما يعرف بالحزب الحاكم هو في حقيقيته حزب الحاكم، فالحاكم أقوى من الحزب وهو الذي يصوغ سياساته وبرامجه وينتقي قياداته، ليكون احد وسائل سيطرته الى جانب جهاز الدولة وخصوصا الجهازين العسكري والامني. وحتى في البلدان التي تحرم فيها الحزبية كلية مثل ليبيا ودول الخليج، فان حزب الحاكم يتمثل في اللجان الثورية "ليبيا"، أو العائلات الحاكمة "الخليج".

ثالثا: ان ما يعرف باحزاب المعارضة ليست مطلقة في معارضتها ولا تطمح للوصول الى الحكم والذي هو هدف مشروع لاي حزب سياسي. ما هو موجود في معظم البلدان العربية: أحزاب معارضة محصورة في حيز ضيق بحيث لاتمثل البديل للحزب الحاكم، بل تضفي عليه صدقية، ولتنفيس الاحتقان السياسي والتباهي امام الدول الغربية للحصول على رضاها ومساعداتها. هناك حصة أحيانا في البرلمان لا تتعداها وصحافة محدودة الانتشار وتهميش من قبل الدولة.

رابعا: هناك مشكلة مشتركة في الاحزاب العربية المعارضة والموالية والحاكمة وتتمثل في فقر هذه الاحزاب من النخب المثقفة والمفكرين، وبالتالي العجز عن التجديد وتوليد الأفكار الجديدة، كما ان القاعدة الجماهيرية ضعيفة والعضوية محدودة حتى في بلدان كبيرة كمصر.

ان قدرتها على حشد الجماهير لدعم برامجها أو مرشحيها أو مطالبها والمعارضة برامج الحكومة واجرءاتها ضعفية. اما قدرة الاحزاب الحاكمة او احزاب السلطة على الحشد فيعود ذلك لاستخدام الدولة امكاناتها للحشد بالترغيب والترهيب.

خامسا: تعاني أحزاب المعارضة كما احزاب السلطة، من شيخوخة في قياداتها وكوادرها وإعراضا من الشباب والنساء عن الالتحاق بها، ويعود ذلك الى عدة اسباب اهمها النظام التراتبي المغلق للقيادة والترقي في سلم المسئولية، ويأس الشباب من اي تغيير على يد الاحزاب وتهميش المرأة في المجتمع والسياسة وغيرها.

وهنا نأتي الى جانبين مهمين عالجتهما الورشة وهو المواقف من الاصلاح داخل الاحزاب ذاتها، وثانيها موقف الاحزاب من مشروعات الاصلاح المحلية والاجنبية.

موقف الاحزاب من اصلاح الذات

طرح وحيد عبدالمجيد تجربته المرة في محاولة الاصلاح والدمقرطة داخل حزب الوفد "معارضة" والذي انتهى بخيبة أمل وتركه الحزب، وعرض باحثون آخرون لتجربة احزاب اخرى مع الاصلاح الداخلي مع تباين هذه التجارب وجديتها. هناك مفاهيم مشتركة ومتأصلة في الحياة السياسية والثقافة العربية تعيق التجديد والاصلاح، وفي مقدمة ذلك ثقافة الزعيم الأب والقائد والمخلد والمبجل والذي يلقي بظله على الحزب، يقرب حوله في الزعامة من يرضى عنهم ويلازمونه لسنوات طويلة، ويبعد من يعارضونه.

والمشكلة الثانية تتمثل في نزعة التسلط السائدة في الحياة في مختلف مجالاتها ومستوياتها، ومنها الحياة الحزبية. وعلى رغم النص في الانظمة الداخلية او دساتير الاحزاب على نظام الانتخابات لجميع المستويات والرقابة والشفافية والمحاسبة فان السائد هو التزكية للأمين العام أو رئيس الحزب وتزكية قائمته، وحتى لو نزلت قائمتان او أكثر فانه غالبا ما تفوز قائمة معروفة أو تحدث تسوية، فالاكثرية تظل اكثرية والاقلية لا تتحول الى اكثرية. وما غياب الديمقراطية داخل الاحزاب بما في ذلك احزاب المعارضة الا انعكاسا لغيابها من المجتمع ومن مؤسسات الدولة.

هناك من يطرح انه في ظل تحريم الاحزاب، او تهميش احزاب المعارضة في احسن الاحوال وفي ظل المراقبة البوليسية اللصيقة لها، فان هذه الاحزاب مضطرة لاتباع نهج السرية والمركزية والتعيين، أو التجديد للقيادة بدلا من تفعيل الديمقراطية او التغيير وكشف الخلافات واسرار التنظيم، وهذه اسباب وجيهة، لكنها تدخلنا في الحلقة المفرغة عن كيفية إحداث التغيير في الدولة والمجتمع. ان اصلاح الحزب يتعدى طبعا اشاعة الديمقراطية والتجديد واجتذاب الشباب والنساء والكفاءات المهنية والمثقفين. انه يشمل التجديد في البرامج واساليب العمل السياسي والارتباط بالجماهير، والنزاهة والكفاءة، وتقديم البديل لسياسات السلطة وبرامجها وكأن الحزب سيمسك بالسلطة غدا. الحديث الشائع عن شيخوخة احزاب المعارضة كما السلطة في البلدان العربية غير بعيد عن الصواب فهناك ازمة حقيقية.

الموقف من مشروعات الاصلاح المحلية والاجنبية

كان هناك اتفاق بين المنتدين انه لا يوجد مشروع اصلاح وطني في أي من البلدان العربية، كما لايوجد مشروع اصلاح عربي قومي بدءا بالجامعة العربية. هناك شعارات بالاصلاح وتظاهر بتبني الاصلاح، وفي أحسن الاحوال اصلاحات جزئية في الاقتصاد تحديدا، وليس في السياسة. والاصلاحات الاقتصادية المحدودة بفضل الاملاءات الخارجية، لتوافق هذه البلدان مع العولمة الاقتصادية واقتصاد السوق وتخلي الدولة عن المسئوليات الاجتماعية والاقتصادية المناطة بها على رغم عدم تخليها قيد أنملة عن سيطرتها السياسية على المجتمع والدولة. من هنا فان عددا من الاحزاب الحاكمة وضمن اطار تبني الحاكم والدولة الشكلي للاصلاح طرحت شعارات الاصلاح وبرامج الاصلاح المحدودة، كما هو حال الحزب الوطني في مصر، وتونس، وسورية على سبيل المثال.

ان غالبية احزاب المعارضة غير متفقة في البلد الواحد على مشروع للاصلاح وغير متكاتفة في النضال من أجله، ومازالت الخلافات الجزئية تفرقها. كما انها عاجزة في اكثرها عن استنهاض الجماهير لفرض هذا الاصلاح. لكن العجب العجاب هو في التقاء معظم الاحزاب العربية الحاكمة والمعارضة على معارضة مشروعات الاصلاح الاجنبية "الاميركية والاوروبية"، باعتبارها تستهدف التدخل والهيمنة، وكأننا لسنا واقعين تحتها فعلا، وكأننا لسنا محتلين إرادة وأرضا.

هناك قلة تتعاطى مع هذه المشروعات بموضوعية وعقلانية، فتؤيد ما هو حق وترفض ما هو باطل. ولا شك ان للغرب مصالحه من مشروعات الاصلاح، ولكن أليست هناك مصالح مشتركة في الاصلاح كما في التحديث والتنمية ومحاربة الارهاب والمخدرات والفقر؟

الانظمة ومن ثم الاحزاب الحاكمة انتقائية في تعاملها مع مشروعات الاصلاح وفي مقدمتها مشروع الشرق الاوسط الكبير "الاميركي"، والشراكة الاوروبية المتوسطة "الاوروبي"، فلا تمانع في الدخول في مشروعات مثل تمكين المرأة، وحرية النخب المعزولة وعقد الندوات وورش العمل في فنادق الخمس نجوم من أجل كسب النقاط وتأمين المساعدات، أو لتحوز مرتبة الحليف أو الشريك التجاري لكنها أبعد ما تكون إخلاصا لجوهر الاصلاح.

استخلاص

ذلك لا يعني ان الاصلاح الداخلي للاحزاب، واصلاح الحياة السياسية والاصلاح الشامل ميؤوس منه، لقد بانت بشائر التغيير في اكثر من بلد عربي إذ ترفع شعارات لا للتوريث لا للتجديد، لا للطوارى لا للفساد، لا لاحتكار الحياة السياسية، نعم للديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان وكرامة المواطن والحياة الكريمة... لكن بيننا وبين الاصلاح الحقيقي نضال طويل يبدأ بمجالدة النفس ونقدها، ونقد الحزب، ونقد العلاقة ما بين أحزاب المعارضة، ومراجعة شاملة وموضوعية

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً