مبكرا رحل النقابي المخضرم عبدالله الدوي بعد أن شهد تحقيق حلمه في وجود اتحاد نقابي عمالي قوي وشريف يحمل راية الدفاع عن أحلام العمال وطموحاتهم، ولكنه لم يستمتع كثيرا بهذا التحقيق لأحلامه فقد عاجله القدر ولما يكمل الاتحاد الوليد عامه الأول.
وكان يمكن للإخوة في تجمع النقابيين الديمقراطيين الذين احتفلوا بذكراه الغالية أن يجعلوها فرصة لالتئام الشمل النقابي، وأن يحرصوا على ألا يكون الدوي مطية من لا مطية له، في الصعود إلى أضواء المعارضة العمالية على أكتاف الدوي الذي كان نقي السريرة شفافا في العلاقة مع الآخرين ممن يتفق أو يختلف معهم، ولا علاقة له طبعا لا روحيا ولا نقابيا ببعض من ألقوا كلمات عبروا فيها سريعا على جسر الدوي ليصلوا إلى شاغلهم الرئيسي وهو الطعن في زملائهم في الاتحاد العام. مرة بحجة أن الاتحاد "تخلى" ومرة بحجة أن رفاقه القدماء "نسوه"، وغير ذلك من الكلمات المسمومة التي تكشف أن تأبين النقابي الفقيد ليس هو الشغل الشاغل لهؤلاء الذين لم يعرفوا الدوي الحقيقي بل يدافعون عن "الدوي" الذي في مخيلاتهم.
كان يمكن لمناسبة جليلة كهذه ألا تكون منطلقا لتأجيج الخلاف وتوسيع شقته بكلمات لا مسئولة تقال من أجل الطعن في روح الدوي والقضاء على الفقيد مرة أخرى في يوم تأبينه. لم يعرف عن الدوي طبعا - وهو للمفارقة من رواد العمل النقابي في ألبا - أنه من دعاة ازدراء النقابات الصغيرة والتعالي عليها بحجة "الحجم النقابي"، ولم يعرف عن الدوي طبعا النزول ببيانات نارية في الصحف كل يومين، وعلى رغم اختلافه مع أعضاء الأمانة العامة منذ أيام المؤتمر التأسيسي وتقدمه ببيان يوضح فيه رؤيته لذلك الاختلاف فإن ذلك لم يفسد بينه وبين رفاقه للود قضية، مثل بعض من استغلوا وفاته ليطعنوا في مبادئه.
ولذلك فليس غريبا أن بعض الكلمات التي قيلت في حق الفقيد الغالي لم تتطرق إلى المسألة الرئيسية والتي هي أهم من نقد الدوي للاتحاد العام وهي كيف أدار الدوي هذا النقد وكيف تعامل مع الرأي الآخر وهو ما لم يتعلمه هؤلاء الذين لم يأتو لتأبينه بل لاستغلال وفاته فقط.
كان يمكن لهذا الرحيل الفاجع أن يكون درسا في طرح الرأي والرأي الآخر إلا أنه اتجه بالعكس ليكون تكريسا لروح العداء والضغائن بطريقة لم يكن الفقيد يوما من أنصارها.
إن معرفتي الشخصية بالفقيد قصيرة قياسا إلى الإخوة الذين زاملوه في طريق الآلام منذ البدايات ولكن هذه الفترة كانت كافية لتكشف عن روح الإنسان الأصيل فيه، وأن تجعله في نظري ملك الاختلاف إذا قورن بالذين شوهوا هذه البادرة الرائعة لتجمع النقابيين حين همشوا صاحب المناسبة وراحوا يبحثون عن مناسبة لهم أنفسهم لتوزيع التهم، وكأن جلال الموت وألم الفقد لا يعني لهم شيئا أبدا
إقرأ أيضا لـ "محمد مهدي"العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ