العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ

بؤس المساعدات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

رفعت الولايات المتحدة مساهمتها لمساعدة المنكوبين من اضرار زلزال سومطرة وأمواج "تسونامي" من 35 مليونا إلى 350 مليون دولار. وجاء قرار رفع المساهمة بعد سلسلة انتقادات لواشنطن اتهمت إدارتها بالبخل والانتهازية وخداع الناس بالشعارات والكلام. هذه الانتقادات كادت أن تجدد تفجير أزمة الثقة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة وكذلك بين أميركا والاتحاد الأوروبي. فالأمم المتحدة اتهمت واشنطن بالمزايدة الكلامية ومحاولة الالتفاف حول دور المنظمة الدولية الإنساني بتشكيل خط مواز لدورها ومستقل عن مظلتها الأممية. والاتحاد الأوروبي سارع إلى انتقاد الأسلوب الأميركي في استغلال نكبة آسيا والاستفادة من تداعيات المأساة لتكوين هالة حول الدور الخاص للمساعدات الآتية من الولايات المتحدة في وقت كانت المساهمات الأوروبية في مجموعها أعلى بكثير من تلك التي جاءت من إدارة البيت الأبيض.

انتهت الحملات الإعلامية المتبادلة إلى نتيجة حسنة إذ اضطرت واشنطن على اثرها إلى مضاعفة مساهمتها النقدية والعينية عشرة أضعاف، وكذلك دفعت الدول الأوروبية إلى بذل المزيد من الجهود لرفع المساعدات التي سبق وأعلنت عنها.

الآن وبعد المنافسات والاتهامات وصل المجموع العام للمساعدات إلى أكثر من ملياري دولار في وقت تشير المعلومات إلى ارتفاع الخسائر العامة للدول المنكوبة إلى أكثر من 15 مليارا. وهذا يعني بلغة الأرقام أن الدول الغنية لاتزال مقصرة وقدمت حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب منها. فهذه الدول "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي" تملك ثروات هائلة وهي تسيطر على 40 في المئة من الانتاج العالمي ونسبة سكانها قليلة وهي في مجموعها لا تزيد على 15 في المئة من التعداد السكاني في العالم.

لاشك في أن هذه الدول قدمت الكثير نظريا إلا أن القراءة الدقيقة للحسبة العامة تشير إلى أنها اعطت أقل بكثير من المتوقع قياسا بقدراتها وإمكاناتها وثرواتها وتفوقها العسكري وهيمنتها على ما تبقى من العالم. بريطانيا قدمت مثلا 95,9 مليون دولار وهذا أقل من إمكاناتها بكثير، وبعدها السويد قدمت 74,8 مليون دولار، ثم الصين 60,46 مليون دولار، ثم فرنسا 56,1 مليون دولار، وكندا 53 مليونا، وهولندا 36,7 مليون دولار، واليابان 30 مليونا، وألمانيا 27,2 مليون دولار، وسويسرا 22 مليونا. وبعدها تأتي الدول العربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.

هذه الأموال والمساعدات جيدة ولكنها ليست كافية إذا درست المساهمات وفق حسبة دقيقة تربط النسبة بالإمكانات. فأميركا مثلا وعدت بتقديم 350 مليون دولار وهي المساهمة الأعلى حتى الآن ولكنها الأدنى قياسا بإمكاناتها وثرواتها واقتصادها. اليابان مثلا هي الأسوأ قياسا بإمكاناتها وثرواتها لأنها الدولة الثانية اقتصاديا في العالم وجاء ترتيبها في المرتبة الثامنة بينما المطلوب منها أن تحتل الموقع الثاني. ألمانيا مثلا هي الأسوأ بعد اليابان لأنها الدولة الثالثة اقتصاديا وجاء ترتيبها في المرتبة التاسعة. وفرنسا أيضا جاءت مساعداتها أقل من المتوقع فهي الدولة الرابعة اقتصاديا وجاء ترتيبها في المرتبة الخامسة واحتلت موقعا متدنيا بعد الصين والسويد وبريطانيا.

بريطانيا مثلا تعتبر الدولة الخامسة اقتصاديا ولكنها احتلت الموقع الثاني بعد الولايات المتحدة. والسويد جاءت في الموقع الثالث وهي لا تعتبر من الدول العشر الأولى في العالم. والصين جاءت في الموقع الرابع وهي لا تعتبر من الدول العشر الأولى.

هذه الحسبة ضرورية حتى لا ينخدع الناس بالأرقام. فما قدمته الدول الأوروبية في مجموعها والولايات المتحدة إضافة إلى كندا وسويسرا لا يعادل 0,001 في المئة من ثرواتها وإمكاناتها واحتكاراتها التي اكلت أخضر العالم، وتحاول الآن اكل ما تبقى من اليابسة. فالفقر في العالم هو نتاج هيمنة شركات ومصارف تلك الدول وسيطرتها على مصادر الثروات والخامات. وما تقدمه من مساعدات أقل من صفر مما تأخذه سنويا من تلك الشعوب.

مثلا تنفق الولايات المتحدة أكثر من 200 مليون دولار يوميا لتغطية كلفة احتلال العراق. وتزايد على العالم بالقول إنها خصصت أكثر من 350 مليون دولار لدعم الدول المنكوبة في آسيا أي أنها أسهمت بنسبة تقل عن مجموع موازنة احتلال العراق لمدة يومين.

إن حسبة الأرقام ومقارنتها بحسابات الاحتكارات والأرباح ودورة الانتاج السنوية ضرورية... حتى تكتشف دول العالم ان مصدر الشقاء ليس محليا فقط وانما هو نتاج تواطؤ تقيمه تلك الدول "الديمقراطية" مع ركائز "غير ديمقراطية" حتى يستمر بؤس 85 في المئة من سكان العالم لمصلحة رفاهية 15 في المئة.

الكوارث التي سببها الزلزال وما اعقبته من أمواج هي لحظات في عمر الإنسانية بينما المأساة الدائمة تكمن في شركات تلك الدول التي فقدت ضميرها منذ سنوات طويلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً