المقابلة التي أجرتها "الوسط" مع السيد محمد حسين فضل الله عن الشأن البحريني تعتبر جريئة من ناحية مرجع ديني له ثقله الثقافي والسياسي على الساحة الاسلامية الشيعية في عدد من البلدان، ومنها البحرين. فالسيد فضل الله اعتاد التطرق الى الموضوعات من جانب التنظير العام تاركا الشروحات التفصيلية لغيره ممن يقرأ له ويتابع افكاره، ولكنه عند الحديث عن البحرين أجاب بكل صراحة طارحا وجهة النظر القائلة بخطأ مقاطعة الانتخابات البرلمانية العام ،2002 وداعيا إلى الدخول في الحياة السياسية من كل باب يفتح مهما كانت الملاحظات بشأن المساحة المتاحة.

السيد فضل الله يعتبر واحدا من آباء الحركة الاسلامية في الشارع الشيعي العربي "العراق، لبنان، البحرين ودول الخليج الأخرى" منذ ستينات القرن الماضي وحتى ايامنا الحالية. فهو كان احد مؤسسي حزب الدعوة الاسلامية في العراق في نهاية الخمسينات، والذي كانت له امتداداته خارج العراق، وعلى رغم ان تلك الامتدادات انتهت تنظيميا، فإن التيار بقي كفكر عام لعدد غير قليل من الناشطين الذين توزعوا على انواع عدة من العمل في الحياة العامة.

ولفضل الله أتباع كثيرون في البحرين - من الناحية الفكرية - ولذلك فإن ما يطرحه في الشأن البحريني له أهميته المباشرة. كان السيد فضل الله لا يحبذ التطرق بصورة مباشرة كما اسلفنا الذكر، إلا أن الوضع في البحرين لم يعد يحتمل بسبب سيادة نهج الرأي الواحد لفترة طويلة. وعلى رغم أن التسامح والقبول بالرأي الآخر بدأت ملامحه جلية منذ منتصف السنة الماضية، فإن الحوار مازال غير واضح المعالم، وهناك الكثيرون ممن يخافون طرح رأيهم بصراحة. وعليه فإن رأي السيد فضل الله سيدفع بالذين يودون اسماع جمهور انتفاضة التسعينات رأيا مغايرا لما ساد منذ مطلع العام .2002

شخصيا، اعتقد أن البرلمان ناقص ويحتاج إلى الكثير لكي يصبح مؤسسة تشريعية رقابية، واعتقد أن اداء النواب - عموما - ليس مشجعا بل انه باعث على احباط الناس، ولكني أؤمن بما ذكره فضل الله من أن المعارضة واعلان الرأي يتمان من خلال ما هو متاح، وأن النشاط في الهامش يدفع إلى التطرف وإلى اعتماد خطاب غير عقلاني. ولو كان هذا الخطاب ينفع في شيء لنفع جمهور الانتفاضة الذي ضحى بالكثير خلال سنوات التسعينات، ولكنه اليوم اكثر الجماعات تهميشا على كل المستويات.

قد نلوم التمييز، وقد نلوم سياسات الدولة الموروثة منذ أيام قانون أمن الدولة، وقد نلوم هذا وذاك، ولكن يجب ان نفتح اعيننا ونلوم الخطاب الذي ساد في الفترة الماضية وحرم جمهور الانتفاضة من حقه في الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، كما حرمه من حق الاختيار بين هذا الطرح وذاك. فهذا الجمهور يطالب اساسا بحقه في المشاركة في الثروة الوطنية، ولكنه محروم من المشاركة في ابداء الآراء بشأن استراتيجيته المصيرية. ان فاقد الشيء لا يعطيه، والخطاب الذي يمنع على اصحابه حق الاختيار ليس مؤهلا ان يطلب من الآخرين الالتزام بالديمقراطية.

إن من حق جمهور الانتفاضة "انتفاضة التسعينات البحرينية" ان يستمع إلى مختلف الآراء، ومن حقه ان يختار أي واحد منها، سواء كانت الداعية إلى المقاطعة أو الداعية إلى المشاركة، وبعد ذلك يمكن اعتماد الخطاب السياسي الملائم