العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ

ألا نحتاج إلى عقلية السيستاني في البحرين؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

أعتقد أن موقف السيدالسيستاني والأحزاب الشيعية في العراق أوجد منعطفا جديدا في الفكر الشيعي لأن يتوجه نحو الواقعية بدلا من الاستغراق في ثقافة الثورة والممانعة في المطلق. الفكر الشيعي كان ولسنين طويلة مخطوفا نحو ثقافة الـ "لا"، والرفض في المشاركة في بناء الدول، ما ساهم في انحساره وضعف قواعده الشعبية. وأعتقد أن الأنظمة على طول التاريخ كانت سعيدة لهذه العزلة، بل كانت تشجع عليها وتعمل على تهميش الفكر الشيعي، وهناك من أبناء البيت - وبحسن نية - من ساعدوا على مثل هذه العزلة حتى على مستوى التنظير الفكري والفقهي، لهذا كان القوم بحاجة إلى عقول فكرية استراتيجية تخرج الشيعة وقواعدهم من هذه العزلة، ولعل الشيخ المطهري وعلي شريعتي والشيخ النائيني صاحب كتاب "تنبيه الأمة" والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيدموسى الصدر والسيدالإمام الخميني هم من أوائل من دعا إلى التحرك الواقعي بعيدا عن اليوتوبيا الغارقة في أحلام وهم الثورة وخيار "المقاطعة" لكل شيء والانطلاق من الفتوائية إلى الاستراتيجية ومن الشخصانية إلى المؤسساتية. ولعل السيدالسيستاني يعد من أكثر المراجع جرأة من حيث الواقعية عندما شجع العراقيون على الدخول إلى اللعبة السياسية من دون الاكتراث لأصوات التخوين الثورية التي لم تؤكل الناس لا خبزا ولا طحينا.

كانت ثقافة الـ "لا" ثقافة حاضرة في عقلية العراقيين منذ ثورة العشرين... قدموا الضحايا والقرابين، ولما جاء بناء الدولة ترك هؤلاء العراقيين بناء الدولة وراحوا يبكون في المآتم وفي التكايا على كربلاء، وتناسى هذا البعض أن للأئمة أدوارا مختلفة تفرضها الظروف وتغيرات الواقع، فللزمان وللمكان مدخلية في تغيير الموقف. لقد استغرقنا في ثورة الحسين وتناسينا صلح الحسن. العراقيون اليوم فهموا الدرس عدا السيدمقتدى الصدر، فحزب الدعوة والمجلس الأعلى وبقية الأحزاب من كل الأطراف قالوا: سنين ونحن نذبح ونقتل ونحن ندفع فواتير وهم الانتصار، وجاء الوقت كي ندخل في اللعبة بلا سلاح، ومن يريد السلاح والمحاربة، فليرسل أبناءه. لهذا دخلت هذه الأحزاب هذه المرة في التحالفات، وبدأ قسم من هؤلاء "الشيعة" الخروج من شرنقة الـ "لا"، فلابد أن يكونوا ضمن تركيبة النظام وأن يكونوا لاعبين في اللعبة.

المعارضة العراقية تفكر اليوم في البنية التحتية للعراق... في قواعدها التي ملت الشعارات والعرائض والخطابات الثورية الرنانة، وراحت تطالب بتحويل الشعارات إلى "ربطات" خبز وسكر وملح يأكله الناس، وتحويل العرائض إلى آليات عمل ضاغطة تطالب بمشروعات إسكانية للناس وبوظائف عمل، ويقينا لو كان الجعفري والياور والحكيم خارج اللعبة، فلن يستطيعوا أن يتقدموا خطوة واحدة لصالح قواعدهم الشعبية. الناس تبحث اليوم عن الخبز والكرامة، وهذه لا تنال بالمهرجانات الفلكلورية، بل بالبرامج.

سؤال مهم: ماذا سيقدم المعارض سعد الفقيه للسعوديين؟ لن يقدم شيئا، وخصوصا إذا أربك الوضع الأمني، ذلك لأن إضعاف المملكة العربية السعودية هو إضعاف لدولة إقليمية نفطية يستند عليها العرب في ظل التوازن الإقليمي مع وجود الكيان الصهيوني، فأن تطالب بالديمقراطية شيء وألا تؤمن بشرعية النظام شيء آخر.

سؤال آخر: ماذا فعلت ثورة الحوثي في اليمن؟ كانت مراهقة سياسية لم تؤكل الناس خبزا، بل زادت الهوة بين الحكومة والمجتمع. ماذا كانت نتيجة ثورية الشيخ صبحي الطفيلي والتطرف الذي يحمله؟ قاده إلى هجوم شرس على المقاومة وعلى رفقاء الدرب، وأصبح كل الناس خونة وعملاء عدا الشيخ الطفيلي نفسه، وماذا كانت النتيجة؟ عزلة مقيتة في بعلبك اللبنانية.

المشكلة أن الناس تعيش أزمة جوع وتظن أن هذه الخطابات هي التي ستوصلها إلى الخلاص، في حين ستكتشف أن الخلاص بالوسطية وبالدخول في اللعبة والتصحيح من الداخل بدلا من العزلة والصراخ في الميكروفونات، فهذا الخيار لا يوظف أحدا ولا يطلق سجينا، وخصوصا إذا لم يأخذ طبيعة التوازنات الموجودة وتعقيدات الساحة في الحسبان.

سؤال تاريخي مهم عن دور التوازنات في الحياة: لماذا بدأ الرسول "ص" دعوته في مكة بشكل خفي؟ 13 سنة في مكة لم يرفع سيفا؟ لماذا؟ أهو جبن، ضعف أم خوف؟ طبعا لا، كانت المسألة مسألة توازنات. قتلوا سمية، اعتقلوا ياسرا، عذبوا بلالا، لم يقم بأية ردة فعل! حوصر في شعاب مكة ثلاث سنوات... جوع، عطش... لماذا؟ لأن لكل مرحلة ظرفا. أقول: لكل مرحلة توازناتها، وعلى الإسلاميين - كي لا يتورطوا بردة فعل قاسية من قواعدهم الشعبية بعد أن ترى القواعد أن من ترافعوا عنهم كانوا يطعموهم حماسا وشعارات - أن يفكروا في أخطائهم، أن يكونوا واقعيين في مواقفهم، لأن هذه القواعد إذا اكتشفت أن عليها أن تضحي ليأتي الانتهازيون ليأكلوا الكعكة كما حدث بعد ثورة العشرين في العراق، فتصاب بردة فعل كبرى. الناس تبحث عن كرامة وعن خبز، وليس عن عرائض. إذا علينا أن نقرأ موقف السيستاني بطريقة حكيمة.

لو جئنا على مستوى الحسابات الرياضية بعيدا عن فكر الفانتازيا، هل أضر المعارض بن لادن بطالبان وبالتيار السلفي أم قواه؟ أبدا، أضعفه. البوصلة الرسمية العالمية والعربية توجهت نحو التيار السلفي، وها هي الدنيا أدبرت بعد كل الامتيازات. سقطت أفغانستان، سقط العراق، تهديد للعرب، المسلمون في الغرب انكسروا بعد 11 سبتمبر/ أيلول، وهكذا.

أعتقد أن الحركة الإسلامية في البحرين تحتاج إلى دماء جديدة وإلى عقليات سيستانية كي تفهم لغة الواقعية وكي تسيطر على البوصلة، فالناس تقدم كل شيء وهم أقل حظوة ساعة توزيع الغنائم. فعلا نحتاج إلى فكر السيستاني في البحرين، ففي العراق استعمار ومجلس حكم وحكومة غير منتخبة وقتل وتكفيريون، وعلى رغم ذلك، السيستاني لعبها صح، لأن له عينا واحدة على الآخرة والأخرى على الدنيا كي يطعم الفقراء، ومن أكلتهم الحروب وقسى عليهم الدهر

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً