العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ

حين تنبني السياسة على الأوهام

"الهلال الشيعي" وغورباتشوف!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا أردتم الدقة والإنصاف، لم يكن هذا مصطلح "الهلال" أو "الحلف الشيعي" وليد تصريح أحد الملوك العرب حديثا لصحيفة أميركية، يحرض فيه على إثارة النعرات الطائفية والاقتتال على أساس مذهبي مقيت، وإنما كان امتدادا تاريخيا لفكرة طرحها أحد مفكرينا البحرينيين البارزين عربيا قبل اثني عشر عاما، إذ تنبأ مع التحضير أميركيا لحرب الخليج الثانية في العام ،1991 أن هناك محورا يتشكل في الأفق، يبدأ من بيروت ودمشق، ويمر عبر عراق صدام، ومنها إلى طهران رفسنجاني وينتهي في أحضان غورباتشوف! كانت تلك الفترة تشهد زيارات كثيرة بين المسئولين في دول المنطقة، وكان وزير خارجية صدام، طارق عزيز، يطوف هنا وهناك بكثرة، ولعل هذه الزيارات هي التي أوحت لمفكرنا بالخروج بنظرية "الحلف الذي يتخلق في الأفق"! وإذا كان البعض يكتب وينسى ما يكتب في اليوم الثاني، فتراه يناقض نفسه كل يومين، فإن القارئ البحريني تستعصي ذاكرته على تمرير "الخزعبلات". والتحليل كما ترون أتفه من أن تنشره صحيفة تحترم نفسها، ولكنه في تلك الأجواء المحمومة، أخذ طريقه للنشر في بعض الصحف، وأذاعته بعض الإذاعات كدليل على خطورة الوضع، وبالتالي كان خير تبرير للمشروع الحربي الأميركي في المنطقة: أليس هناك حلف يجري التمهيد لقيامه، وتهديد للسلام والأمن الدوليين... وبالتالي ضرورة الاستنفار لمقاومته والقضاء عليه! بقية القصة تعرفونها، إذ تم طرد الجيش العراقي من الكويت وعادت الحكومة من المنفى، وعاد اللاجئون الكويتيون الذين شردتهم مغامرة صدام إلى بلادهم، ولم ير الناس محورا ولا حلفا ولا هلالا! ونامت النبوءة الكاذبة اثني عشر عاما، واستيقظت قبل ثلاثة أسابيع على صفحات "واشنطن بوست"، في مقابلتها الخطيرة مع الزعيم العربي، الذي حذر الأميركان من المستقبل إذا نسوا حلفاءهم "الاستراتيجيين" منذ خمسين عاما، ونسوا ما بينهم من خدمات جليلة وعشرة طويلة و... "العيش والملح"!

المفكر الذي ابتدع "فكرة المحور الذي يتم تخليقه في الأفق" لم يكن بإمكانك انتقاده، أو التلميح إليه لأن للنقد قواعد "مهنية" وأصولا "أخلاقية" عند الاقتراب من "كبار المفكرين الاستراتيجيين"! فترى المقالات تتقافز يمنة ويسرة، تحذر من الانفلات "الأمني" في شارع الصحافة. وكما في الهند طبقات الأشراف والعبيد، فإن لدينا "طبقة" المفكرين "اللامعين"، من أصحاب النظريات "الصفوية" الجديدة الجاري ترويجها هذه الأيام، تبدأ خيوطها عند وزير الداخلية العراقي، البعثي السابق حازم الشعلان، وتنتهي عند هذه الطبقة! ولأن هؤلاء عقولهم كبيرة جدا، فإنه يحق لهم أن ينتقدوا من يشاءون، ويوزعوا اتهاماتهم على الآخرين، ويقذفوهم في عروبتهم ويخرجوهم من دينهم ويشككوا في وطنيتهم، ثم يطلبوا منهم الجلوس على الطاولة واتباع الحوار "بالتي هي أحسن"، وإلا فأنت خارج على الدين والوطن والديمقراطية والحوار الحضاري وشرعة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي وجميع المواثيق ومنظمات حقوق الإنسان!

ومن أسف أن تنبري جمعية صحافية، مازلنا نحمل بطاقة عضويتها في جيوبنا، يفترض فيها الدفاع عن الحق والحقيقة، للدفاع عن الكتاب العابثين بالعقل، الاقصائيين الذين يظنون أن الدنيا خلقها الله لهم وحدهم. عشرون عاما، كانوا لا يتوانون عن استخدام كل الأوصاف السيئة، والنعوت القبيحة واللغة البذيئة ضد مخالفيهم في الرأي، من "ظلاميين"، و"رجعيين"، و"إقصائيين"، و"مخربين"، و"طائفيين"... لم يتركوا كلمة هجينة إلا استخدموها، ولا صفة سيئة إلا ألصقوها بمخالفيهم، ثم يطالبون بالرفق والترفق لئلا تنكسر القوارير!

الشرفاء لا يبيعون الكلمات، ومن يلعب الكرة عليه أن يتحلى بروح رياضية، وكفانا استهتارا واستخفافا بالعقول، أسهما فيما وصلنا إليه اليوم، من هذا الفساد المستشري وخراب الذمم، مما يحتاج إصلاحه إلى قرن من الزمان.

قبل اثني عشر عاما، مرر بعض "المفكرين الاستراتيجيين" حرب 1991 باختراع محور "بيروت - دمشق - بغداد - طهران - موسكو"، كنا نقرأ ذلك ونضحك على ضخامة العقل الذي أنتجه، واليوم تروج "واشنطن بوست" نكتة "الهلال الشيعي"، فيتلقفها هؤلاء للتحذير من "المحور" الجديد، ولكن هذه المرة لن تجدوا أمامكم غورباتشوف الذي ينتهي في حضنه حلف بيروت بغداد طهران موسكو، ولكن هناك هلالا أخطر من نجمة داوود التي تطبق على مجمل خريطة الشرق الأوسط كما يقول محمد حسنين هيكل. يحذرون من وهم ويغطون على سوأة صديق المرحلة والحليف الجديد أرييل شارون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً