العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ

عولمة التنجيم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل نصدق كذب المنجمين أم نكذب "صدقهم"؟ المسألة ليست هكذا. فالتنجيم مهنة قديمة بدأت حين اكتشف الإنسان الزمن وأخذ يفكر بماضيه وحاضره ومستقبله. وعلى قاعدة هذا الاكتشاف أسس المنجمون مدارسهم. فهناك الكثير من الطرق والوسائل وكلها تفرعات تصب في النهاية في ادعاء معرفة المستقبل وتوقع ما سيحصل في الأيام المقبلة.

هذا الشوق إلى معرفة المستقبل شكل في وعي الإنسان ذهنية التوقع. وبما أن الإنسان يميل إلى المعرفة واستباق الأمور مال الكثير من الناس إلى تصديق أي كلام يتحدث عن المجهول وذلك خوفا أو هربا أو محاولة لاكتشاف مخارج عن حاضر مأزوم. فالإنسان ضعيف ولأنه كذلك يستسلم للتوقع حتى لو كان كذبا.

هذه المهنة تم تحديثها. فالتنجيم المعاصر تعولم مستفيدا من ذاك الكم من المعلومات وتقارب صور العالم. وتداخل المشاهد أسهم في سرعة نقل الأخبار مهما كانت المناطق بعيدة.

الجديد في التنجيم المعاصر ثلاثة عناصر. الأول توافر التقنيات التي تزيد من سعة المعلومات وبالتالي دقة التوقع كما يحصل يوميا في توقعات الطقس التي ترصدها الأقمار الاصطناعية. والثاني عولمة التوقعات بعد أن حولت الاتصالات والمواصلات والأجهزة التقنية العالم إلى صور وأنباء تنتقل إلى الناس في أي مكان. والثالث تسييس التوقعات فلم يعد التنجيم يقتصر دوره على حالات الأفراد وانما انتقل ليقرأ التاريخ السياسي للعالم مستفيدا من التقارير والتصريحات والمشاهد التي تنقلها محطات التلفزة يوميا.

هذه العناصر الثلاثة سهلت على المنجمين التوقع فإذا صحت ادعى المنجمون الصدق في نقل الأنباء، وإذا اخطأت اعتذر المنجمون عن الكذب. وفي الحالين يقبل المشاهد "المتلقي" الاعتذار لأن الإنسان يميل إلى التصديق والتكذيب في آن.

على ماذا اتفق المنجمون هذه السنة؟ أجمع المنجمون في توقعاتهم السياسية على الأمور الآتية:

أولا، فلسطينيا ستحصل مشكلات بين "إسرائيل" وقيادة أبومازن. وهناك احتمال أن يحصل مكروه "اغتيال". فالقيادة الفلسطينية في منطقة الخطر.

ثانيا، هناك سيناريو حرب بين "إسرائيل" وسورية يلعب فيها الطيران الإسرائيلي دوره الحاسم في تحطيم البنى التحتية في المنطقة وستنتهي بخروج القوات السورية وتوطين بعض الفلسطينيين ونزول الجيش اللبناني إلى الجنوب. وهذا يعني أن الحرب ستجرف معها قيادات سياسية ودينية وستؤدي إلى توترات واغتيالات وتفجيرات تطال الكثير من الشخصيات الوطنية والإعلامية.

ثالثا، هناك سيناريو حرب بين الولايات المتحدة وإيران ستؤدي إلى تدمير البنى التحتية وانهيار مؤسسات وحرائق وانفجارات في إيران. وهذا السيناريو سيؤدي إلى تداعيات إقليمية من ضرب سفن وموانئ وناقلات تشكل ذريعة لواشنطن للهجوم المضاد وتنفيذ سياستها التي أعلنتها منذ سنوات.

رابعا، هذه الحروب المنظمة في لبنان وسورية وإيران والمنطقة ستؤدي إلى تأزيم العلاقات الدولية وإغلاق ممرات وطرق تجارة الأمر الذي سيرفع من سعر النفط واثارة فوضى عالمية ستدفع بعض الجهات إلى القيام بعمليات عسكرية قد تطال أوروبا وأميركا.

خامسا، الفوضى العالمية المتوقعة ستنطلق من دائرة الشرق الأوسط "الكبير" ولن تكون لندن وواشنطن بعيدة عن تأثيراتها السلبية. وهذا يعني أن هناك مشكلات ستحصل لقيادة طوني بلير وأيضا للإدارة الأميركية. وبلغة المنجمين هناك حوادث دموية ستقع وربما سينقلب الثنائي تشيني - رامسفيلد على بوش ويصفوه أو أن بوش سينقلب على الثنائي المذكور وسيضطر إلى إبعادهما عن إدارة البيت الأبيض.

يلاحظ ان تلك التوقعات المتعلقة بالتاريخ السياسي للمنطقة والعالم، قريبة من السيناريوهات التي يتحدث عنها خبراء الدراسات الاستراتيجية في العالم. فالكل يتكلم عن حروب في منطقة "الشرق الأوسط" تهدف إلى تغيير الخريطة السياسية وإعادة تشكيلها من جديد وفق تصورات تضمن أمن النفط وأمن "إسرائيل". فالتنجيم السياسي الذي دخل العولمة من باب توقع التاريخ ليس بعيدا عن سيناريوهات أعلن عنها مرارا وهي تهدف إلى عزل إيران عن سورية واخراج سورية من لبنان وكسر إرادة الشعب الفلسطيني تمهيدا لفرض هيمنة أميركية على المنطقة.

المسألة إذا ليست مبتكرة وانما هي إعادة صوغ السيناريوهات المتداولة في إطار التوقع السياسي، الأمر الذي يؤكد أن المنجمين يتابعون الحوادث من خلال التقنيات المعاصرة التي توفر المعلومات. والفارق بين السيناريو والتوقع هو مجرد هامش صغير يتراوح بين الكذب والصدق. فإذا صدقوا كذبوا وإذا كذبوا صدقوا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً