كتب المؤرخون كثيرا عن موقعة الزلاقة وأجمعوا على أخبارها واختلفوا على أسبابها. فهناك من يربط المعركة بسقوط طليطلة وتهديدات الفرنجة. وهناك من يربط بدء عدها العكسي منذ لحظة انهيار الصلح بين المعتمد بن عباد (صاحب إشبيلية) وملك الفرنجة الفونس السادس (الاذفونش بن فرذلند، كما يرد في كتب المؤرخين المسلمين) الذي كبر شأنه بعد احتلاله مدينة طليطلة. وقضى عقد الصلح أن يدفع المعتمد جزية سنوية لالفونس. ولجأ المعتمد مرارا إلى غزو «أمراء الطوائف» وتحديدا صاحب المرية ابن صمادح لتأمين المبلغ المطلوب، حتى أفلست المرية ولم يعد بإمكان أصحاب المدن تلبية حاجات ملك الفرنجة. وتأخر المعتمد عن الدفع فغضب الفونس وتوعد وألحق تهديداته برفع قيمة الجزية وزاد من الإتاوات المفروضة على بعض الحصون فرفض المعتمد الطلب وخاف في الآن من ردة فعل الفرنجة.
يذكر ابن خلدون في تاريخه أن نداءات الاستغاثة جاءت في وقت بدأ أمير المرابطين يوسف بن تاشفين يفكر في مد نفوذه إلى الأندلس قبل استكمال سيطرته على مختلف بقاع المغرب، فاستفاد من النداءات التي وجهها إليه «أمراء الطوائف» عندما أخذ الفرنجة يزيدون من ضغوطهم على ثغور الأندلس ومدنها. ففي العام 478 هجرية (1085م) انتهز الفرنجة فرصة «الفرقة بين ملوك الطوائف» (ابن خلدون، المجلد السادس، صفحة 220) فحاصروا طليطلة (توليدو) في عهد أميرها القادر بن يحيى بن ذي النون فوافق على تسليمها صلحا شرط أن يساعدوه على تملك بلنسية من صاحبها أبي بكر بن العزيز. ثم توجه الفرنجة إلى سرقسطة، وفرضوا الحصار على أميرها (صاحبها) ابن هود وكادت أن تسقط.
على رغم اختلاف المؤرخين على التفاصيل اتفقوا على أن نداء الاستغاثة جاء بسبب ضغوط الفرنجة والمخاطر التي هددت المسلمين في الأندلس. وتحت ضغط المخاوف اضطر المعتمد إلى طلب عقد قمة عاجلة لأمراء الطوائف في إشبيلية لأخذ القرار المناسب، فاتصل بصاحب بطليوس (المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس) وصاحب غرناطة (عبدالله بن حبوس الصنهاجي) وطلب منهما إرسال قضاتهما للتشاور في الموضوع. كذلك طلب من قاضي الجماعة في قرطبة (أبوبكر عبيد الله بن أدهم) حضور القمة، إضافة إلى فقيه الأندلس محمد بن الطلاع.
اجتمع القضاة في إشبيلية سنة 478 هجرية وأجازوا لابن عباد الاستنجاد بابن تاشفين وأعطوه رخصة شرعية بالأمر، فقام صاحب إشبيلية بإرسال وزيره أبا بكر بن زيدون مع وفد القضاة يحمل رسالة تطلب العون وتجيز لقوات المرابطين العبور من المغرب.
وافق يوسف بن تاشفين على تلبية نداء الأمراء وخطاب ابن عباد. وأرسل صاحب اشبيلية أسطوله إلى سبته لنقل جيش المرابطين إلى الأندلس فارتفعت المعنويات و»لم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر وأعان وخرج وأخرج». (الروض المعطار، المراكشي، الجزء 4، صفحة 134).
آنذاك كان الفونس جرد حملة ضخمة للقضاء على ممالك «أمراء الطوائف» سارت على خطين: الأول باتجاه باجه في غرب الأندلس تمر على لبلة وصولا إلى إشبيلية (مدينة المعتمد)، والثاني باتجاه شرق الأندلس على أن يلتقي مع الآخر في إشبيلية.
وصلت قوات المرابطين في اللحظة المناسبة وانضمت إليها قوات المعتمد. وتواجه الجيشان في الزلاقة (من نواحي بطليوس) انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا في سنة 479 هجرية (1086م). وعرج ابن تاشفين بعد المعركة على إشبيلية وعاد إلى المغرب من طريق سبته، وأمر أحد قادته (سير بن أبي بكر) بملاحقة فلول الفرنجة والبقاء في الأندلس لرد أي هجوم مضاد.
بعد موقعة الزلاقة ارتفعت شعبية دعوة المرابطين وازداد ثقل دولتهم على حساب نفوذ «أمراء الطوائف» فحصلت مناوشات في العام 483هـ (1090م) تطورت إلى مواجهات في 485 هجرية (1092م) حصل خلالها المرابطون على دعم من مركز الخلافة في بغداد وأجاز العلماء والفقهاء لابن تاشفين تصفية «دويلات الطوائف» التي أضعفت النفوذ الإسلامي في الأندلس بسبب تناحرها وتنافسها واستنجادها بالأجنبي والاستقواء به ضد بعضها بعضها. وهكذا كان. إذ اتخذ ابن تاشفين قراره وبدأ بإنهاء عصر الطوائف الذي اضمحل في نهاية العام 492هـ (1098م).
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ