العدد 2884 - الخميس 29 يوليو 2010م الموافق 16 شعبان 1431هـ

حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب: المسيرة والاختلافات! (1)

يبدو الحديث عن حقوق الإنسان دائماً، وكأنه نَسْجٌ على نول نسج عليه قبلك كثيرون، فالموضوع متكرر، ولكن هذا النول في حقيقة الأمر يبدو دائماً جديداً لامعاً إذا أردت الغزل عليه، بل تراه مغرياً داعياً لكل إضافة، وما ذاك إلا لأنه مهم وضروري، ومن موضوعات الساعة المطروقة في السنين الأخيرة بقوة، كما أن المتحدث من الطرف الإسلامي عن حقوق الإنسان يجد نفسه – تحت تأثير الميديا الغربية، وتابعاتها العلمانية في البلدان الإسلامية – في موقف المدافع عن الإسلام أمام تلك القضية (أعني حقوق الإنسان)؛ إذ راجت الاتهامات – خصوصاً بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول2001؛ عندما أصبح الإسلام كلأً مباحاً للخوض فيه بقوة من أعدائه – بأن الإسلام لا يعطي الإنسان حقوقه، وأن بلدان العالم الإسلامي التي تدين غالبية شعوبها بالإسلام هي أحوج البلدان لمواثيق حقوق الإنسان الغربية في منشئها؛ وما ذاك – كما قالوا – إلا لأنها تدين بالسلام الذي يكرس الديكتاتورية، ويحجر على الآراء والعقول والأقلام.

كما سارت الجمعيات النسوية العلمانية في بلاد الإسلام في رَكْب المخططات الغربية الساعية لإفساد العنصر الأهم والأخطر في بناء الأسرة والمجتمع المسلم، وهو المرأة؛ فصارت تلك الجمعيات، وصارت حقوق المرأة (ويتبعها حقوق الطفل) كحصان طروادة الذي تستخدمه المخططات الغربية المعادية للإسلام من أجل تدمير الأسرة والمجتمع المسلم؛ لذا يظلَّ إبراز موقف الإسلام من حقوق الإنسان من أهم واجبات الوقت لدى الأمة ومفكريها، وربما يظل كذلك لأمد لا يعلمه إلا الله.

النشأة والمسيرة

كان ميلاد حقوق الإنسان في الإسلام مشابهاً من بعض الوجوه لمولدها في الغرب في أربعينيات القرن العشرين؛ فبينما يحدثنا التاريخ عن الأوضاع المتردية التي وصلت إليها حقوق الإنسان في الأمم المختلفة قبل ظهور الإسلام، والطبقية المسيطرة في الهند وفارس حتى درجة إلزام البشر بطبقتهم، مهما بلغوا من درجات العلم والعقل والقيادة، وترقوا في سُلَّم الحضارة والمدنية، وإكراه الناس على تغيير عقائدهم بالقوة والقهر والتعذيب والقتل في الدولة الرومانية؛ بينما يحدثنا التاريخ عن ذلك نجده أيضاً يحدثنا عن الفاشية والنازية التي قهرت البشر في أوروبا، وحرمتهم من حق الرأي الحر؛ وذلك قبل إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948، وكيف ظهرت دعوات جعلت من الجنس الآري أفضل الأجناس، والوحيد الذي يستحق الحياة، ولو على أشلاء الأجناس الأخرى، كما يروي لنا التاريخ عن الظلم الاقتصادي الذي مارسته الرأسمالية، وأساطينها من اليهود؛ فنهبوا أموال الأفراد والأمم، وأغرقوهم في الديون بالربا الفاحش، وجعلوا عيشهم ضنكاً بالاحتكار، وقبل ذلك يروي لنا كيف رزحت أوروبا بشعوبها قروناً تحت وطأة ديكتاتورية الكنيسة وبطشها وطغيانها، وحربها على العلِم والمدنية باسم الدين، والدين منها بَرَاء.

ولكن حقوق الإنسان في الإسلام تختلف عن مثيلتها لدى الغرب المعاصر؛ في أنها لم تكن - في أصلها - مجرد استجابة للواقع المرير الذي عاشه البشر، وردعاً للظالمين الطغاة الذين أذلوا البشر، وحرموهم حقوقهم فحسب، كما كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإنما جاءت في أصلها تقريراً لمكانة الإنسان كما خلقه الله عزَّ وجلَّ، وتصديقاً لقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(الإسراء : 70).

صحيح أن كثيراً من البشر عاشوا مفتقدين لحقوقهم الأساسية قبل ظهور الإسلام، ولكن ما يؤكد لنا ما ذكرناه، أن العرب وهم الذين نزل عليهم الدين بدايةً، وكُلِّفُوا بحمله للعالمين، كانوا يتمتعون بقدر كبير من حقوق الإنسان على عكس الأمم الأخرى؛ فالعرب كانوا متنوعي الديانات؛ منهم الوثني – وهم الغالبية – ومنهم النصارى في الشام واليمن، ومنهم اليهود في يثرب، ومنهم الصابئة، ولم يكن أحدٌ منهم يُكرِه الآخر على تغيير دينه وعقيدته.

كما أن العربي كان شديد الأَنَفَة لنفسه، ولا يسكت على الظلم، ولا يقبل كذلك أن يمنعه أحدٌ كائناً مَن كان من أن يُبدي رأيه؛ فما جدوى تقرير حقوق الإنسان في حرية عقيدته، وحرية رأيه بالنسبة إلى مَن كانت حالهم على هذه الشاكلة؟!

كل هذا يعضد رأينا من أن حقوق الإنسان في الإسلام لم تأتِ - في أصلها – إلا تقريراً للمكانة الطبيعية للإنسان كما أراد الله تعالى، وليس مجرد ردِّ فعلٍ للواقع المؤلم الذي يعيشه البشر.

أمَّا حقوق الإنسان في الغرب، وميثاقها الأشهر (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) فلم يكن إلا استجابة للظروف القاهرة التي عاشها الغرب، وباتوا يريدون طمس تلك الفترة، وتلك الممارسات ولو بعمل دعائي كذلك الإعلان، في محاولة لطمس التاريخ وتشويهه من خلال تبييض صفحتهم.

ويدلِّل على ذلك أن كبريات الدول الموقعة على الإعلان، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية كانت تمارس الظلم والجور ضد أبنائها – حتى بعد توقيع المعاهدة – كما فعلت أميركا، وظلَّت، مع السود، وقبلهم مع الهنود الحُمْر (سكان أميركا الأصليين)

العدد 2884 - الخميس 29 يوليو 2010م الموافق 16 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً