تحدّثت قبل أيام عن «عبادة الألقاب والأنساب» في مجتمعاتنا العربية. وهي في حقيقتها حالة تتضمّن أوجهاً مختلفة من أنماط العبادة «الصّنميّة». فاللقب قد يكون ميّتاً فتُحييه مُعضّدات أخرى، كالمال والجاه والحظوة. أما إذا كان اللقب حياً، زادَته هذه المُعضّدات حياةً وقرباً من المأمول. هذه طبيعة استشرت بين الناس وبين طبقات المجتمع.
في مُلحقات المال يظهر الإسفاف والإسراف في استحصال ما لَم ينله المرء قبل ذلك. تزداد النعوت على أصحاب الثروة. ثم تزول بزوالها. والأكثر إيلاماً، أن مَنْ يَعِشَ حياة الرفاه يُدمن على مسلكها وكأنها جزء من لحمه الحي. فتراه يستنكف حاله من دون مظاهر التّرف تلك. اللباس، وطريقة الحديث، واستقبال المديح والثناء من الآخرين.
هذه الثقافة باتت تفرض واقعها بقوّة. بل إنها فرضت على الناس أن يُمايزوا أنفسهم عن بعضهم البعض بأنفسهم. لقد رسّخت لديهم أنهم أقلّ شأناً من هؤلاء المترفين. وأن الاحترام لهؤلاء واجب. وتقديمهم وتبجيلهم أصبح ضرورياً. فهم أسياد وغيرهم أقلّ من ذلك. وهم نقاءٌ وما دونهم أغيار!
عندما تذهب إلى احتفاليّة ما تقرأ اليافطات الموجودة: مقاعد كبار الشخصيات. بالتأكيد كلمة «كبار» لا تعني مناصب سياسية فقط، وإنما لآخرين أيضاً لم يُجرّبوا أن يرهنوا بطانياتهم حتى آخر الشهر حين يستلمون رواتبهم المقضومة.
حتى في المطارات والمستشفيات ترى التمييز والتمايز واضحاً لدرجة أن احترام ذلك صار فرض عَيْن، ومخالفته ذنب عظيم وقلّة في الذّوق العام. وهو حال متخلّف انهارت بسببه نُظُمٌ اجتماعية، سواء بفعل الأديان الإبراهيمية المُوحّدة، أو بفعل الثورات التي حصلت في أوروبا.
ما يُلحَظ في كلّ ذلك أن هذه الثروة تكتنف في داخلها أمرين بالِغاً الدلالة. الأول واقعي، والثاني افتراضي. فالواقعي تؤكّده الثروة الحقيقية للمُلاّك على الأرض ومناشطها. والافتراضي يُؤكّد الأول ولكن بخداع والتواء، على اعتبار أن نيله ليس بالأمر المستحيل حتى لفاقدي الشرط الأول.
فالرجل الميسور (ليس الكل بالتأكيد) يجب أن يركب أفخم السيارات. ويسكن في أرحب البيوت وأعمرها. ويتناول أطيب المأكول والمشروب. ويعتمر أرقى النعوت. ولا يُخالِط العامة خوفاً على ضياع بهاء مُتَخَيّل. بل ويحمل أفضل الأرقام الهاتفية الجوّالة، التي يتناسق أولها وأوسطها وآخرها، ليضعه في بطاقته التعريفية .
حدّثني أحد الأصدقاء عن إحدى حِيَلَه التواصليّة مع الناس. قال لي: عندما أعجز عن تلقّي ردٍ ممن أتّصل بهم تلفونياً، ألجأ إلى رقمٍ هاتفي خاص أدّخره لهكذا مهمّات، وهو يتكوّن من أرقام متناسقة جداً. ويضيف هذا الصديق: بأن حيلته تلك تنجح بامتياز، ويصطاد كل من أشاح بوجهه عنه.
يذكر لنا تاريخ قبل الإسلام أن بعض أغنياء مكّة كانوا يأكلون «بصحاف من ذهب، ويشربون بآنية من فضة، وبكئوس من البلور، ويلبسون الحرير والملابس المقصّبة بالذهب، وحلل الديباج، ويستخدمون الأثاث الفاخر». (راجع كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام).
ويذكر التاريخ غير البعيد أن الفتيات البرجوازيات في أربعينيات القرن الثامن عشر كُنَّ يُعرَفنَ بـ «طريقة وضعية شعورهن، وما كُنّ يضعنَه على الشّال والقلنسوة من زهور موصولة حتى الذقن، وامتهان العزف على أوتار المقطوعات والألحان التي أنتجها شوبان، أو على إبداعات جون كراغ وآيخندورف».
كلّ هذه الأنماط الاجتماعية سواء في الجاهليّة أو في عصر ما قبل الأنوار في أوروبا انهارت. بل إن الإسلام خاض ضدّ هؤلاء حروباً دعوية، كما خاضت الثورات المتلاحقة في أصقاع كثيرة من أوروبا حروباً ضد الطبقات المتوحّشة في الثراء.
خلاصة القول هو أن التبجيل والاحترام ليس للمُترفين الذين لا يعنيهم سوى أنفسهم، وإنما هو لأصحاب العلوم ولأهل المُداراة للفقراء والمعوزين.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2883 - الأربعاء 28 يوليو 2010م الموافق 15 شعبان 1431هـ
عزيزي محمد
حدّثني أحد الأصدقاء عن إحدى حِيَلَه التواصليّة مع الناس. قال لي: عندما أعجز عن تلقّي ردٍ ممن أتّصل بهم تلفونياً، ألجأ إلى رقمٍ هاتفي خاص أدّخره لهكذا مهمّات، وهو يتكوّن من أرقام متناسقة جداً. ويضيف هذا الصديق: بأن حيلته تلك تنجح بامتياز، ويصطاد كل من أشاح بوجهه عنه.
دعك من هذا يا كاتبنا العزيز .. وإن لم تستجب أيضاً لمثل هذا الرقم .. فما الحل؟ .. الله معك.
المقال واضح وصريح .... وهو:
يطرح قضية جوهرية، تمثل في حقيقتها مرضٌ أصاب الغالبية العظمى من المواطنين في البحرين.
--
فالشريحة التي تُعبَدُ، نظرا لالقابها أو نسبها أو ماشابه، غالبيتها على درجة من الجهل والتخلف.
--
ورغم عدم أهليتها لاحترام، إلا إنها أصيبت بداء التعبد، والويل كل الويل لمن لا يعبدها.
--
في المقابل, نرى الشريحة المريضة الاخرى، التي تقلل شأنها عن الشريحة الاولى، وأصبح التبجيل والتعظيم والعبادة جزءا مهما من حياتها وسلوكها ويصعب عليها التخلص منه.
--
وهذا قمة التخلف.
مرتبة ادنى
مشكلة الناس انهم اصبحوا اسرى للمظاهر وليس للجوهر . حتى في الزواج يتم السؤال عن وضعه المالي واسرته اما اصحاب الاخلاق والعلم فهم في مرتبة ادنى من ذلك بنظر هؤلاء
معذرة
لا يوجد وضوح بالشكل المناسب للعنوان ومن المهم أن يكون المقال واضح من عنوانه ومعنونه ولكن نرى كاتب المقال عنده ضعف في كلا الجانبين...
غريب أن يكتب شخص ( كل يا كمي ) عنوانا مع العلم هذا القال ينتشر لكل أطياف الناس غموض في غموض ... وشكرا لكاتب السطور على كل حال
رحمك الله يا ميثم البحراني,,
عنوان المقال هي كلمة للفيلسوف المسلم ميثم البحراني , قالها خلاصة لتجربته مع علماء الدين في العراق الذين إختبرهم فوجدهم يقدسون المظاهر لا المخابر ,,وصل إليهم بلباس بسيط ومنطق سليم فلم يصدقوه ,, ثم عاد بلباس فخم ومنطق سقيم فبجلوه واولمو ا له وليمة ,, فهم فيلسوفنا إنها للباسه وليس لفكره ,, فأدلى كمـّه على المائدة وقال : كل يا كـُمّي !!!!
تأييد لزائر 1
ألقاب على شاكلة آية الله ... هل يصل الغرور برجال الدين لهذا الحد. في السابق كان رجال الدين يذيلون أساميهم بألقاب على شاكلة (الفقير لله) و ما شاكل و اليوم أصبحنا نرى العجب العجاب.
لك كل التحية والتقدير
لو أوردت لنا قصة كل ياكمي لأن البعض لايعرفها وسوف يتسآل عن مغزى اختيار العنوان
يلحق بها
يلحق بهذه الألقاب ، آية الله العظمى ، وحجة الإسلام والمسلمين ، والمرجع الأوحد ، والولي الفقيه ..إلخ .