العدد 2880 - الأحد 25 يوليو 2010م الموافق 12 شعبان 1431هـ

اجتهاد لوضع النقاط على الحروف (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«نعرف من أنت لكننا لا نعرف ماذا تريد أن تقول»... «أنت مرتبك وتربكنا معك»... «تتحدث عن سلطة شفافة ليس لها وجود»... «تحلق في سماء الخيال وترفض أن ترى الأمور على حقيقتها»... قائمة طويلة من ردود الفعل أثارتها حلقتا «ماذا يريدان؟»، الأمر الذي يستدعي وضع النقاط على الحروف كي يستطيع الجميع قراءتها دون أي التباس ومنعاً لأي تأويل يحمل الأمور ما لا تحتمل، ويذهب بالعقول إلى نهايات واستنتاجات لم تكن مقصودة.

باستثناء بعض الردود التي تجاوزت حدود «أدب الحوار»، عبرت غالبية تلك الردود، في جوهرها، عن حيوية شعب البحرين، ودينامية فكره السياسي، وهو أمر يثلج الصدر، ويبعث على التفاؤل، طالما يحكمنا في الفعل وردود الفعل، مصلحة الوطن والمواطن.

اجتهدت الحلقتان، وما كتب قبلهما، كي ترسم معالم خريطة صحيحة للقوى السياسية الفاعلة في ملعب العمل السياسي المعاصر في البحرين، محاولة من خلال ذلك الوصول إلى صياغة مدخل يحدد أسس معادلة قادرة على تنظيم العلاقات فيما بين تلك القوى، من أجل بناء مملكة دستورية، كما دعا لها ميثاق العمل الوطني، وصوتت لصالحه الغالبية العظمى من السكان.

على هذا الأساس انطلقت الحلقتان من مقولة أساسية تؤمن بأن هناك ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة، تقوم على وجوب الحوار بين الأطراف كافة، دون استثناء لأي تيار بغض النظر عن انتماءاته السياسية، وخلفياته الفكرية، طالما هو يعمل في نطاق الدستور ولا تتجاوز أنشطته القوانين والأنظمة المعمول بها في مملكة البحرين.

تمحور ما جاء في «ماذا يريدان؟» حول القضية المركزية في الحوار المطلوب بين معسكرين أساسيين متواجهين، الأول هو السلطة التنفيذية بكل مراكز قواها وتحالفاتها، ويقف قبالتها في الصف المواجه قوى المعارضة كافة، التي أعلنت عن نفسها، واختارت، وبمحض إرادتها أن تكون في هذا الصف، وليس المعسكر الأول.

تحكم هذين المعسكرين مجموعة من القوانين التي ينبغي عليهما، شاءا أم أبيا، التقيد بها، والخضوع لما تفرضه عليهما من سلوك وسياسات. عندما نصل إلى هنا، تبدأ تلك الملاحظات على ما جاء في تلك الحلقتين «ماذا يريدان؟»، في الطفو على السطح، وتبرز من بين ثناياهما عدم الثقة، والخوف من الآخر الذي يسيطر على العلاقة بين المعسكرين.

فبينما ترفض بعض أطراف المعارضة، ولا نقول جميعها، الجلوس إلى طاولة الحوار مع السلطة، معتبرة في ذلك مسّاً بجوهر لما تدعو إليه، مشخصة سلوك السلطة على أن فيه الكثير من التجاوزات الواضحة، المتعمدة والمستمرة، للعديد من بنود الدستور، الذي تعتبره بعض أطراف المعارضة غير تعاقدي، وتضعه في خانة النواقص التي ينبغي مواصلة النضال من أجل استكمالها، نجد السلطة، ترى في سلوك بعض قوى المعارضة، «نكراناً للمعروف»، و «رفساً للنعم» التي «تكرم» بها عليها ذلك الدستور.

كلا؛ الطرفان مخطئان في رسم سياساتهما تجاه الطرف الآخر. فما جاء به الميثاق الوطني هو ثمرة تضحيات قدمها شعب البحرين، على امتداد عقود من النضال الذي ليس في وسع منصف أن ينكره، لكن مقابل ذلك شكل المشروع الإصلاحي، في حد ذاته، بادرة إيجابية جادة من أجل وضع نمط جديد للعلاقة بين السلطة التنفيذية والمعارضة، مخالف تماماً ونوعاً، لما كانت عليه تلك العلاقة في حقبة «قانون أمن الدولة» السيئ الصيت. من لا يستطيع رؤية ذلك التحول الإيجابي في سلوك السلطة التنفيذية، ولا يستطيع أن يجد فيها خطوة انحياز إيجابي نوعية في علاقة السلطة التنفيذية مع المعارضة وفي صالح هذه الأخيرة، بمختلف انتماءاتها الفكرية، لن يتمكن من قراءة لوحات الساحة السياسية البحرينية، حتى عندما توضع النقاط فوق حروفها، التي تقول بوضوح وصوت عال إن لغة الحوار بين الطرفين مطلوبة، ونتائجها الإيجابية، خاصة عندما تسلم النوايا، مضمونة.

لا ينبغي أن يؤخذ هذا التحول في سلوك السلطة التنفيذية إزاء المعارضة، على أنه نهاية المطاف، بل على العكس من المطلوب من أن يعتبروه الخطوة الأولى على طريق طويلة، يتطلب السير عليها من أجل الوصول إلى نهايتها، المزيد من النضال، لكن بأشكال جديدة، وبأسلحة مختلفة عن تلك التي تقلدتها المعارضة إبان «قانون أمن الدولة».

ومن هنا ولانتزاع المزيد من المكاسب، ولصالح المواطن، وبما يلائم الظروف المستجدة التي جلبها معه مشروع الإصلاح السياسي، لابد من أن يجلس إلى طاولة الحوار الطرفان، السلطة التنفيذية والمعارضة، دون أن يحاول أي منهما نفي الآخر، أو شطب وجوده من المعادلة السياسية.

ومرة أخرى، وعندما نناشد المعارضة بالجلوس إلى طاولة الحوار فنحن لا نجرها إلى مازق يرغمها على تقديم تنازلات تمس جوهر برامجها السياسية أو تشوه انتماءاتها الفكرية، بقدر ما نطمح أن تؤدي جلسات الحوار إلى تنفيس الاحتقان، وتوفير أجواء إيجابية تبيح لسياسات البناء والتطوير أن ترى طريقها إلى النور. وفي الوقت ذاته فلسنا أسرى نظرة طوباوية تنطلق من ثقة عمياء في حسن نوايا السلطة التنفيذية، وتمسكها بقوانين لعبة الحوار السلمي. نحن نتحدث هنا عن صراع يعبر عن مصالح يتعارض البعض منها ويصل بعضها الآخر إلى مستوى التناقض الذي تتجاوز إمكانية حله حدود الحوارات السلمية المحضة.

لذا فالحوار المطلوب، لا ينبغي أن يشتم منه رائحة تسليم المعارضة المسبق أو المطلق بكل ما تطالب به السلطة التنفيذية، بقدر ما هو دعوة لأن تحاول المعارضة، وقد تكون النتائج مغايرة للتوقعات، أن تبدأ هي بالخطوة الأولى، كي تضع السلطة في خانة ردة فعل، بدلاً من أن تأتي المبادرة من هذه الأخيرة، فتتحول الأولى من الفعل إلى ردة الفعل.

الحديث هنا إذاً يشخص المدخل السليم المطلوب لبناء علاقة جديدة بين الطرفين، دون الخوض في تفاصيل مادة الحوار التي ليس هناك أفضل من يحددها من قيادات المعارضة ذاتها.

هذا يقتضي من المعارضة أن تكون مزودة بكل ما تحتاجه من وثائق ودراسات تعزز بها مطالبها، سوية مع تغلغل شعبي جماهيري يضاعف من ثقلها التفاوضي، فليس الغرض من دعوة الحوار هو بدؤه فحسب والتوقف عند تلك الحدود، بقدر ما هو تشجيع لكل طرف كي يشحذ أسلحته الفكرية المستندة إلى موازين قوى على أرض الصراع القائم من أجل تحقيق أفضل المكاسب، التي نأمل أن تكون لصالح المواطن، التي نفترض أنها ستحكم سلوك الطرفين.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2880 - الأحد 25 يوليو 2010م الموافق 12 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً