أصبح حزب «يسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان، في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي أكبر حزب في «إسرائيل»، وهذه واحدة من نتائج انتخابات أثبتت أن الناخبين الإسرائيليين انتقلوا إلى أقصى اليمين. وتشكل أحزاب اليمين الآن غالبية واضحة في الكنيست.
بالنسبة لنا نحن مواطنو «إسرائيل» من العرب الفلسطينيين، أبرزت نتائج الانتخابات وبشكل أكثر حدة الوضع المتقلقل لجاليتنا التي تشكل اليوم خُمس سكان دولة «إسرائيل».
تنطوي رسالة الرؤيا لحزب «يسرائيل بيتنا» على أن «حل» مشكلة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو «تبادل الأراضي والسكان، بهدف الفصل بين الشعبين اليهودي والعربي، بالترتيب».
تنادي رسالة الرؤيا للحزب كذلك باقتراح قانون جنسية جديد تجعل الجنسية ترتكز على أساس «إعلان كل إنسان الولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية» وبأن «إسرائيل» هي «دولة يهودية وليس دولة للشعب اليهودي أو لجميع مواطنيها».
واقع الأمر هو أن حملة «يسرائيل بيتنا» أثناء الانتخابات بنيت بشكل رئيسي على هذه المبادئ الانفصالية، مستخدمة شعار «لا ولاء، لا جنسية» وشعار «لا يفهم العربية سوى ليبرمان»، وهي شعارات تصور شعب «إسرائيل» من العرب على أنهم أقل قيمة وطابور خامس غريب.
كيف يمكن لمواطن عربي في «إسرائيل» أن يفسر حقيقة أن هذه المواقف ساعدت في الواقع «يسرائيل بيتنا» في توسيع قاعدته بشكل ملموس؟
حسب ليبرمان وتركيبة حزبه، علينا التزامات سياسية (تجاه دولة تستثنينا بشكل خاص) ولكن لا حقوق لدينا (مثل الاستمرار في حمل الجنسية في الدولة التي ولدنا فيها).
وحسب خطة ليبرمان، سيجري «استبدال» المدينة التي أقيم فيها، وهي أم الفحم، مقابل مساحات وراء الخط الأخضر (حدود ما قبل 1967 بين «إسرائيل» والضفة الغربية). إضافة إلى حقيقة أن هذه الخطة ستضم مناطق محتلة في الضفة الغربية إلى «إسرائيل» وهو عمل بحد ذاته ينتهك القانون الدولي، فإنه أيضا ينتهك عددا من القوانين الدولية التي تحمي الأقليات المحلية والوطنية.
مضمون الخطة واضح: فهي تقصد إضعاف الوجود الجماعي للجالية العربية في «إسرائيل». وهي تفصل المواطنين العرب عن ارتباطاتهم التاريخية والاجتماعية والاقتصادية بوطننا، بما فيها مدن الناصرة وحيفا والقدس. سيجري بذلك تمزيق الأسر والعائلات وتفريقها، ومصادرة الأراضي التي يملكها عرب.
قد يكون ما يزعج بصورة أكثر من صعود «يسرائيل بيتنا» في الانتخابات هو قبول صعوده من قبل الأحزاب السياسية الرئيسية الكبرى الأخرى والجمهور الإسرائيلي. فبالنسبة لهؤلاء المنشغلين اليوم في الرقصة الحساسة لتشكيل تحالف، لم يفكر أحد بمفهوم عدم المشاركة في حكومة مع ليبرمان وحزبه. واقع الأمر أنه يُنظر إلى ليبرمان على أنه يحمل مفاتيح تشكيل حكومة، وبالتالي سوف يتسلم بشكل محتمل جدا واحدة من أهم الحقائب الوزراية.
وهكذا، تنتقل المبادئ التي يحتلها «يسرائيل بيتنا» إلى التيار الرئيس في المجتمع الإسرائيلي، (أو قد يكون من الدقة أكثر القول إن الانتخابات ببساطة هي انعكاس للتحول الذي حدث فعلا).
بالمقابل، عندما انضم يورغ هايدر النمساوي، والذي يُعترف بحزبه بشكل واسع على أنه وطني متطرف ومعادٍ للسامية، إلى حكومة تحالف في العام 2000، واجهت النمسا عزلة دولية، من قبل «إسرائيل» أيضا، لمدة شهور عديدة. لا شك أنه لو تم استبدال كلمة «عربي» في موقف «يسرائيل بيتنا» بكلمة «يهودي»، لجرى إدانتها بشكل فوري وواسع على أنها معاداة للسامية.
لسوء الحظ، لا يبدو أنه سيكون هناك إدانة مماثلة لليبرمان وحزبه في داخل «إسرائيل» أو خارجها.
يبني حزب ليبرمان قاعدته المركزية السياسية حول تفتيت وتهميش حقوق شعب البلاد الأصلي. يحق لمواطني «إسرائيل» العرب، تحت الإعلان الدولي لحقوق الشعوب الأصلية الذي صدر العام 2007، كمجتمع محلي أصلي وكأقلية وطنية، الحصول على حقوق معينة، بما فيها الحماية ضد النزوح القسري، والاستيعاب أو الاشتمال القسري أو الدعاية السياسية المصممة لتشجيع التمييز العنصري أو العرقي (المادة 8.2)، ويتوجب على الدول أن تتعاون بنية حسنة مع الشعوب المحلية وأن تحصل على موافقة مسبقة قبل الشروع بأي عمل يؤثر على أراضيهم أو حدودهم (المادة 32.2).
من الواضح أن «يسرائيل بيتنا» وجميع الأحزاب المستعدة للدخول في حكومة معه، يقترحون سياسات تنتهك القانون الدولي.
إلا أن ظهور حزب ليبرمان لا يشكل فشلا قانونيا فحسب وإنما فشلا أخلاقيا كذلك.
واقع الأمر هو أن هذه الظاهرة لم تنشأ فجأة من العدم. فقد قامت حكومات إسرائيلية متعاقبة ولأجيال طويلة بتطبيق تشريعات وسياسات تمييزية فيما يتعلق بالمواطنين العرب، مستثنية إياهم من مراكز القوة في المؤسسات الحكومية والمجال العام على حد سواء. وقد وضع التمييز المنهجي في تخصيص الموارد العامة الجالية العربية في أحطّ المواقع الاقتصادية الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي.
إلا أنه برز شعور جديد خلال السنوات القليلة الماضية من داخل السكان العرب، مبني على المفهوم العالمي بأن أحدا لن يقبل أن يكون مواطنا من الدرجة الثانية. وينادي إجماع كامل تقريبا في مجتمعنا بإيجاد إطار قانوني وسياسي في «إسرائيل» مبني على المساواة الحقيقية والشراكة والتبادلية على أسس فردية وجماعية.
سوف تواجه أية حكومة جديدة في «إسرائيل» خيارا صعبا وصارما. هل تستمر في طريق التمييز العرقي والوطنية المتطرفة أم هل ستنتقل إلى مساواة حقيقية وديمقراطية كاملة؟ حتى يتسنى تحقيق القسم الثاني، لا يتوجب على مواطني «إسرائيل» العرب أن يؤمنوا بالمساواة والديمقراطية فحسب وإنما يتوجب على مواطني «إسرائيل» اليهود أن يفعلوا ذلك أيضا.
يتوجب على الدولة في الديمقراطيات، أن تحمل الولاء لمواطنيها من الأقليات.
*يدرّس حقوق الأقليات في جامعة حيفا وهو المدير العام لدراسات المركز العربي للقانون والسياسة ومركزه الناصرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ