العدد 2876 - الأربعاء 21 يوليو 2010م الموافق 08 شعبان 1431هـ

فهد الهندال يقرأ العالم القصصي لفهد إسماعيل

في أمسية نظمها ملتقى الوعد الثقافي السعودي في البحرين

«المطلع على العالم القصصي لإسماعيل فهد إسماعيل، سيجد ذلك الامتداد السردي لنصوصه، بما يطابق الحضور الإنساني في رسم ملامح الشخصية لديه، وعوالمها الداخلية ومعالمها الخارجية، تحمل في قرارها العميق أصداء عدة لأصوات متعددة لا يمكن أن تنعزل في فرديتها عن بقية مكونات المجتمع، لما تحمله من عوالم نفسية/ حسية، تشكل مع المحيط بها روافد محتملة لنصوص سردية أطول قصا ونصا، أو تكون جزءا في عالم قصصي/ سردي أكبر».

جاء ذلك في ورقة قدمها الناقد الكويتي فهد الهندال عن العالم القصصي لإسماعيل فهد إسماعيل خلال الأسبوع الثقافي الذي استضافه مركز كانو والذي نظمه ملتقى الوعد الثقافي السعودي بشراكة مع ملتقى الثلثاء الكويتي بحضور مجموعة من المثقفين والأدباء ورواد المركز.

في بداية ورقته استشهد الهندال بمقولة إدجار آلان: «قطعة قصيرة من السرد النثري تستغرق قراءتها ما بين نصف ساعة أو الساعتين على أكثر تقدير، وتسعى في مجمل عناصرها وتفاصيلها إلى إحداث أثر موحد في نفس القارئ، وذلك عن طريق الاقتصاد في انتقاء المادة والأحداث وانتظامها في تشكيل فني دقيق صارم».

بهذه الجملة القصيرة، يصف إدجار آلان بو القصة القصيرة، ويمكننا أن نستشف من وصفه ملامح القص القصير لديه عبر أربع نقاط هي: القصر، والتركيز، وإحكام البناء، ووحدة الانطباع.

أما فورستر، فيرى الكم في عدد الكلمات هو الفاصل بين القصة والرواية، بحيث إذا زاد عدد كلمات النص القصصي عن 50 ألف كلمة فهي رواية، وهو ما قد يتفق معه هنري جيمس بشأن حجم القصة القصيرة يتراوح ما بين 6000 – 8000 كلمة. إلا أن هذا التحديد الكمي قد يدخل الفن السردي (القصة – الرواية) في فلك رياضي حسابي، دون عوالمه الفنية والجمالية.

من هنا، يأتي السرد بتقنياته الفنية (اللغة/ مستويات السرد/ المكان/ الزمن/ الشخصية) عاملا مهما في تحديد فوارق نوعية العمل السردي عن غيره بفرعيه القصة، الرواية.

ولأن القصة فن أدبي قديم، سبق الرواية، يعتبر المشكل الحديث الأول لبقية الفنون السردية، ومنه تطورت عناصرها وتحولت أسس البناء الداخلي، وتعددت عوالمها الخارجية. إلا أن الإنسان بقي هو الكائن/ العنصر/ الجوهر الوحيد الذي لا يمكن التخلي أو التنازل، لكونه محور القص والحدث والسرد. ولأن الإنسان هو نقطة مركزية القصة/ الرواية.

ويتابع الهندال سنحاول عبر هذه الورقة معالجة ذلك في منظور نقدي للفن القصصي للأديب إسماعيل فهد إسماعيل. قبل ذلك، نطرح بعض الآراء النقدية حول هذه النقطة الأساسية، ففرانك أكونور يرى أن الإنسان في الرواية مصور على أنه الذي يعيش في مجتمع/ جماعة ما، أما الإنسان في القصة فهو كائن منعزل، منكفئ على ذاته. وهو ما يمكن رصده في رأي ايخنباوم في تفريقه بين القصة والرواية، أن الأخير متعدد الأصوات خلاف الأول منفرد الصوت.

هذا ما أكد عليه ابراهيم عبدالله غلوم في «أنه لا يستقيم أن نلتقي نصا منفردا، منعزلا لقصة قصيرة أمام تأويل أو قراءة دون أن نضعه في سياق نص متعدد سواء للكاتب (مجموع نصوصه)، أو بالنسبة لغيره من الكتاب (مرجعية النص في نصوص أخرى بل وفي مفردات ثقافية تعمل بوصفها شفرات مركزية في فهم النص) راجع عالم روائي في القصة القصيرة... ليضيف لاحقا أن ذلك يمكن أن «يفجر الإمكانيات السردية والروائية لتجارب القصة القصيرة بوضعها في شبكة عريضة من النصوص والمفردات الثقافية، بما يلغي وهم أن القصة القصيرة في تجربة كاتب ما نص مستقل وإنها تمتلك خصوصية منعزلة وصوتا منفردا».

وإذا كانت الرواية تنهض على مجموعة من العناصر بالإضافة للشخصية، فقد كان ‏المنطق السائد في الرواية يرتبط في ربط العناصر وتعلقها ببعضها البعض. إذ لا ‏يمكن أن يقع حدث ما، إلا ويرتبط بحركة أو فعل ما، والشخصية كانت الوسيلة ‏المثلى والفعلية لانجاز الحدث، والكاتب يلجأ إليها بطبيعة الحال لتحريك الحدث بما ‏يناسب رؤيته وخطته في كتابة العمل. ‏

في حين نجد أن القصة، أيضا تعتبر بناء سرديا يعتمد في مكوناته على الشخصية، ولو ‏أن مساحتها أقل أو أضأل من الرواية. إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل هذا العنصر المهم في ‏بناء القصة. ‏


الذات: أنا... إنسان

ويضيف الهندال في قصة (البقعة الداكنة)، تتشكل لنا ملامح شخصية السرد، المتمثلة بصاحب مركب عبور/ توصيل ما بين ضفاف الأرض المتشظية وسط الماء والطين، وما تعيشه من صراع نفسي بين ماضٍ وحاضر لا يختلفان بالقسوة والذكرى المريرة وإن اختلف سبب الحدث بينهما. ولعل هذا كان واضحا في سرده الحائر المتسائل عن موقعه في خارطة الحدث بشكل عام، لينتقل بنا بين مشهدين غائرين في البقعة ذاتها في الذات، فالمشهد الأول يمثل الحاضر حيث وضعه المقيد عن الإرادة والحركة في بقعة ما بين الموت والحياة، بعدما شّلت تماما حريته حتى في التقاط أنفاسه. وبرغم أنه لا يتذكر جيدا سبب وجوده هنا وما أدى لهذه الحالة المزرية، فإنه يتذكر على النقيض خلافه مع زوجته بسبب وجبة العشاء التي طلب منها أن تذبح له إحدى الدجاجات الثلاث الباقيات كما جاء في المشهد الثاني في تداع صريح لصور سابقة عن الحاضر لا يفصل عنها بضعة ساعات. وتشهد القصة في مسارها الداكن على نفسية شخصيتها الأساسية أنينا/ حنينا لكل الأوقات والحوارات مع زوجته، تمثل مفارقة ساخرة في موقفه الراهن.


المكان: شراكة ولغة

وينظر الهندال في مجموعة (الأقفاص واللغة المشتركة) ويشير أن ثمة أرضية سردية مشتركة، تتيح لقصص من المجموعة أن تكمل بنى بعضها البعض، تمثلت في المدينة الواسعة بعماراتها، مصانعها ودكاكينها، والتي ضمت كائنات السرد، كان للأنثى نصيب السرد الأكبر، توزع حضورها ما بين فتيات مغتربات في بلد ما للعمل لمدرسات، شابة جميلة تتجول في سوق رجال، وفتاة مراهقة تعيش خادمة عند امرأة وزوجها نظير إيوائها. لنجد المكان هنا يجسد لغة مشتركة تتقنها أطياف مختلفة من البشر، هم في مرمى عيون الآخرين، باختلاف فضولهم ونوازعهم الداخلية. بما يمكن أن يخرج العمل القصصي لآفاق أرحب، بعدما ساهمت الحوارات المتداخلة، وملامح الشخصيات المتناقضة، والأحداث المتلاحقة، لتكاد أن تجمعها في قالب سردي واحد.


الرؤية: رشاقة الوعي

في مجموعة (ما لا يراه نائم) يشير الهندال إلى أنه يبدو واضحا لعب الكاتب على خيوط الزمن، متجاوزا كل قوالب القصة بما تعلق بالقصر المطلوب للتركيز على الحدث في تداعي مواقف سابقة دون أي إشارة صريحة للزمن، وإنما بما يواكبه في ذهنية الشخصيات. وهذا ما نجده في قصة (وعي مغاير)، حيث عراك عبدالله المستمر مع أخته فاطمة، وتصرف الأهل – الكبار – حيال ذلك، ولعب الكاتب على جادات ليست فاصلة، بقدر ما أنها واصلة للمشاهد فيما بينها. والجادات تمثل زاوية السارد/ عبدالله في رصده ردة فعل الكبار على ما يتصل به، وعراكه مع أخته:

«الكبار.. سلوكهم بالكيفية التي درجوا عليها..» الاسم

« الكبار معروفون بالغفلة!»

«الكبار يمتلكون حق التبرير!»

«الكبار لا يعدمون شئونا تافهة تأخذ عليهم اهتمامهم..»

«الكبار – جدي ليس أحدهم – يمنحون أنفسهم حق التلفظ بكلام غامض غير مسئول!»

«تدخل الكبار فيما لا يعنيهم..»

«الكبار.. شأنهم بينهم»

«الكبار يمتلكون قوة بدنية خارقة»

«الكبار.. تحالفاتهم!»

«الكبار بأعذار جاهزة»

«تأمن الكبار»

«الكبار.. فهم قاصر..»

وهذا تطلب من الكاتب متابعة السرد في مواقف عدة، ليرصد كل سلوكيات الشخصيات حول ما يتصل بعبدالله الذي بات عين السارد متجولا حرا عبرها في القصة.

وهذا نجده في قصة (السبة) في نفس المجموعة.

العدد 2876 - الأربعاء 21 يوليو 2010م الموافق 08 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً