تعد بنغلاديش من أكبر الدول الإسلامية، وقد دخلها الإسلام في منتصف القرن الثامن الميلادي على أيدي التجار المسلمين، وكانت واحدة من أغنى الدول الإسلامية مما جعلها مطمعاً للاستعمار الانجليزي بسبب غناها وبسبب عدم الرغبة في وجود دولة مسلمة، وقد استمرت تحت ظل الاستعمار حوالي 190 سنة حتى تم الاستقلال العام 1947م على يد القائد محمد علي جناح وأصبحت جزيرة من دولة باكستان المسلمة.
لكن هذه الدولة المسلمة لم تكن محل ترحيب من الهند العلمانية التي شجعت على انفصال بنغلاديش بالتعاون مع بعض البنغاليين الذين كانوا يدعون أن باكستان الشرقية «البنغال» لم تكن تحظى بنفس المعاملة التي تحظى بها باكستان الغربية «الباكستان» فقامت حرب بين شطري باكستان وكانت الهند تقف إلى جانب باكستان الشرقية حتى تم لها الانفصال ثم أصبحت دولة مستقلة تحظى بتأييد الهند والقوى الأخرى التي كانت لا تريد لها أن تبقى ضمن دولة مسلمة قوية.
هذا التاريخ كان ينبغي أن يبقى تاريخاً فقط لا يمس حياة الناس الحالية بسب ظروفه التاريخية لكن بعض الحكومات التي تولت حكم بنغلاديش لم ترد أن تمر تلك الأحداث دون أن تثيرها لأسباب سياسية ودينية!.
أثناء حرب الانفصال كان هناك من البنغال من كان يرفض فكرة الانفصال حرصاً على الدولة الواحدة القوية، ولهذا فإن هذا البعض وقف إلى جانب الوحدة قولاً وعملاً، ولكن هذا الموقف العادل – آنذاك – أصبح سيفاً مصلتاً على رأسه قديماً وحالياً.
بعد الانفصال العام 1971 تم سجن الآلاف من المعارضين للاستقلال لكن الحكومة آنذاك برأتهم وأطلق سراحهم بناءً على اتفاقية ثلاثية تمت بين بنغلاديش وباكستان والهند، كما أعلن العفو العام عن جميع المعارضين للانفصال، وبهذا كان يجب ألا تثار هذه القضية مرة أخرى، لكن هذا لم يحصل!
حزب «عوامي ليغ» المؤيد للانفصال والعلماني التوجه الذي كان يقوده الشيخ مجيب الرحمن لم يستطع الاستمرار في حكم بنغلاديش نظراً لأخطائه الكبيرة والتي اعترف بها لاحقاً، كما أن هذا الحزب لم يستطع الحصول على تأييد الحزب الإسلامي ذو النفوذ الواسع بسبب اختلاف التوجهات الفكرية، ولأن الجماعة الإسلامية وقفت مع الحزب الوطني الذي كانت ترأسه خالدة ضياء ونجحت لهذا السبب وكونت الحكومة فإن حزب «عوامي ليغ» اعتبر أن الجماعة الإسلامية عدو يجب مقاومته، ولهذا فقد أعادوا إثارة قضية أولئك الذين وقفوا ضد الانفصال بعد أن عادوا إلى الحكم العام 2008، ولم تكن عودتهم طبيعية ديمقراطية كما يقولون.
وكما قلت فإن حزب «عوامي ليغ» أراد أن يخلو له الجو تماماً من المعارضين الأقوياء فأعاد إلى الأذهان عملية المطالبة بمحاكمة من سماهم المجرمين الذين وقفوا ضد الانفصال، مطالباً بإعادة محاكمة قتلة الشيخ مجيب الرحمن، ومحاكمة قادة الجماعة الإسلامية لارتكابهم جرائم حرب وتأييدهم الضباط الباكستانيين العام 1971، كما أعلن الحظر على أي ممارسة إسلامية سياسية، ومنع التعليم الإسلامي واستبداله بالعلماني من الابتدائية إلى الجامعة، وكذلك إجراءات أخرى موجهة لإضعاف المعارضة الإسلامية بكل الوسائل ليبقى له الحكم طويلاً.
على أية حال كان من المفترض أن تتحرك منظمة المؤتمر الإسلامي لتتعرف على الأوضاع الداخلية بدقة سواءً ما كان منها من ممارسات ظالمة لقادة الجماعة الإسلامية أو محاولات طمس الهوية الإسلامية للدولة إرضاء للغرب أو الهند وعلى حساب الطائفة الكبرى من المواطنين.
الذي أجزم به أن الممارسة الظالمة التي تقوم بها الدولة ليست في مصلحتها، فالدولة تعاني من فقر شديد، ومعظم أفراد الشعب لا يجدون أعمالاً مناسبة، وحتى الآلاف الذين يخرجون للعمل في بعض الدول العربية أثبتوا فشلهم وربما كانت الأحوال الداخلية من أسباب ذلك الفشل.
وأيضاً فإن من مصلحة أي حكومة بنغلاديشية أن تكون علاقاتها جيدة مع الدول العربية والإسلامية ومع شعوب هذه الدول، ولن تكون كذلك إذا لم تغير الحكومة الحالية موقفها من الإسلاميين ومن الضغوط الكبيرة على التعليم الإسلامي والقيم الإسلامية.
من مصلحة الدولة أن تنفتح اقتصاديا وسياحياً على التجار العرب والمسلمين، ولن يتم ذلك بسهولة مادامت الدولة تمارس ضغوطاً ظالمة على الإسلاميين ومبادئهم.
وأخيراً... فإن بنغلاديش دولة مسلمة كبرى ومن المهم أن تتخذ من الدول المسلمة والعربية سنداً حقيقياً لها بدلاً من الاستناد على سواهم ممن لا يريدون لها خيراً وإنما يريدونه لأنفسهم وبأية وسيلة.
إثارة الأحقاد القديمة والمواقف السابقة التي جرت لظروف خاصة يضعف الدولة، ويثير الفتن والمشاكل... فهل تدرك الحكومة ذلك؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ
.
استاذنا ابدعت فهذا المقال اكثر من ان يكون رائع
جزاك ربي الجنة ...
شكر
شكرا جزيلا لك على ابداعك في الكتابة وتوصيل الفكرة جزاك الله كل الخير
معجب
أنا من متابعيك ومن اشد المعجبين بمقالاتك
..
مقال رائع جدا .. شكرا للكاتب الكبير
أين جمعية حقوق الانسان ..؟!
نشكر الدكتور محمد الهرفي على إيضاح الحقائق على المسلمين في بنجلادش و نأمل من جمعيات حقوق الانسان ان تتدخل خاصة الاسلامية منها.