تقتضي الضرورة العلمية الموضوعية اعتماد منهجية قياس أداء عادلة للمجالس النيابية تتناسب والادوار المنوطة بها، بحيث يتعدد الفهم كأساس ومرتكز حيال عملية قياس أداء للمجالس النيابية بغيابها، وكافتراض أولي سينقسم المقيمون - في أبسط صور الانقسام - إلى فريقين، الأول، ينطلق الفهم بالنسبة إليه، من اعتماد المهام الوظيفية والتركيبة العضوية للمجالس النيابية من جهة، والبيئة السياسية والاجتماعية التي تعمل في إطارها هذه المجالس من جهة ثانية، والفريق الثاني ينطلق الفهم بالنسبة إليه من أرضية أن قياس أداء المجالس النيابية يجب أن يرتكز ويدور حول ما يعتقد الناخب أو المراقب أن المجالس النيابية قادرة على القيام بأدوار معينة غير تلك التي حددتها طبيعة وظيفتها.
وهنا يتضح البون الشاسع بين هذين المنهجين، بحيث يكون الاول معتمدا في تقييمه على القدرة الكامنة في المجالس النيابية، كالمهام الوظيفية والتركيبة العضوية في عملية التقييم كعناصر تتوافر من خلال اعتبارها بمثابة أدوات تعمل في ظروف موضوعية لتحقيق نسبة متوسط اداء يمكن قياسه، وهي محددات مبسطة لسعة الطاقة الكامنة في المجالس النيابية، أما الثاني فإنه يقوم على شعور خارجي واعتقاد غير ذي صلة - أحلام وتمنيات الناخبين أو المراقبين - بحيث يدور التقييم بالنسبة لهما مدار أن المجالس النيابية يجب أن تكون قادرة على الاداء والانتاج المطلق، أي أن محددات سعة الطاقة الكامنة نابعة من أذهان الناخبين والمراقبين ومن صنع مخيلاتهم، وليس بالنظر للقدرة الكامنة في طبيعة المجالس النيابية كما هو الحال والواقع بالنسبة للمنهج الاول.
بمعنى، أن أي منتج، سيكون ناجحا أو فاشلا، اعتمادا على شعور المقتني واعتقاده بأن هذا المنتج يجب أن يكون قادرا على القيام بما يدور في خلده هو كمقتنٍ وليس اعتمادا على طبيعة قيام مكونات المنتج وقدرتها على أداء دورها وظيفيا بالصورة التي حددت له. فلو اشترى شخص ما دواءً باعتقاد أنه يعالج مشكلة صحية معينة في حين يقول منتجوه غير ذلك، فإن النتيجة ستكون بالنسبة للمقتني أن الدواء فاشل أو غير مفيد. بينما الدواء ناجح في الحالات التي خصص لها أو أنتج من أجلها في نظر المنتج الذي أدرك وظيفته وحددها.
من ناحية أخرى، فإن عنصر الزمن يحتل كعامل آخر من عوامل التأثير في عدالة عمليه تقييم الأداء، وقد يقود هذا العامل لما يبعد المقتني عن حد التقييم الموضوعي؛ لأنه قد يعتقد أن الدواء قادر على العلاج في 24 ساعة بينما المدة الزمنية المحددة لفاعليه الدواء 72 ساعة مثلا، الأمر الذي ينطبق على المجالس النيابية من جهة عامل الزمن كضرورة لتوافر الأداء المطلوب أو المرضي في أدنى مستوياته عند توافر متوسط الزمن المطلوب.
ومن هنا فإن أي منتج يراد تقييمه يجب أن يوظف له منهج قياس عادل ضمن عملية التقييم، يتناسب مع ما كان مقررا القيام به، بحسب سعة الطاقة الكامنة فيه، والزمن المطلوب لأدائه الناجح أو المقبول، وقياسه بما تم القيام به أو توصل إليها من نتائج.
أما أن يقاس المنتج على أساس ما كان يعتقد مقتنوه أنه قادر عليه وفي زمن يحدده المقتني بحسب مخيلته واعتقاده، بخلاف ما يؤكد عليه منتجوه في الأساس، فإن ذلك لا يكشف عن عدالة أو موضوعية في عملية التقييم.
وعلاوة على ذلك، فإن أموراً لابد أن تأخذ مكانها في عملية التقييم العادل، يمكن ذكر بعضها كالتالي:
المكون العضوي للمجلس النيابي: من ناحيتي الشكل والمضمون، وتحديد ما إذا كان المجلس مستقلاً وله كامل الصلاحيات التي تؤهله للقيام بمهامه كمجلس تشريعي ورقابي أم لا، أو أنه مقيد بمجلس معين يتحكم في تفعيل مخرجاته؟ كما أن كفاءات مكوناته البشرية واللوجستية والمساحة القانونية والدستورية وهامش الحريات المتعارف عليه في المجتمع الذي يتحرك فيه، كل ذلك يساهم في أن يكون التقييم أكثر موضوعية ورصانة.
الدور الوظيفي والمهام: إن غياب الفهم الصحيح لدور المجالس النيابية يؤثر تأثيرا جذرياً على تحقق عدالة عملية التقييم.
المدة الزمنية للمجلس النيابي: الاعتقاد بأن المجلس النيابي يجب أن يصل في فصل تشريعي واحد او اثنين لحلول للواقع المعاش ونتائج للمشاكل القائمة، دون النظر إلى أن بعض القضايا والمشاكل قد تفوق في حجمها هذه المدة، فإن تقييما لا يأخذ بعين الاعتبار هذا المعيار حتما سيساهم في عملية تقييم غير عادلة.
تقسيم مراحل تجربة عمل المجلس النيابي: حيث إن المجلس النيابي يمر بأطوار ومراحل بشكل تراكمي منذ نشوئه إلى مراحل النضج، وهي مراحل يمر بها أي مجلس نيابي، يتأهل من خلالها للقيام بدوره الوظيفي والمهام المناطة به بشكل يتصاعد – على الأرجح - تحسنا كلما اقترب من مرحلة النضوج.
الحكم التجزيئي لأداء المجلس النيابي: كثير ممن يقومون بعملية التقييم ينطلقون من معيار ما يعنيه هو كظرف أو جهة، فإن حقق المجلس النيابي أهدافه كان التقييم إيجابياً وإن لم يحققها أصبح التقييم سلبياً، وهذا النوع من التقييم يمكن اعتباره تقييما محدودا ومنحصرا بمنظور المقيم ذاته، وليس على أساس منهجية علمية موضوعية شاملة وعادلة يقيم على أساسها المجلس النيابي.
ومن هنا فإن عملية التقييم كلما قام بها طرف غير مستفيد - لمنع تأثير تضارب المصالح - كلما كانت عملية التقييم علمية وموضوعية ومجردة وعادلة، حيث تختفي في معادلتها المصلحة الشخصية التي تجير الحكم بنجاح التجربة أو فشلها بحسب المصالح التي يسعى هذا الطرف أو ذاك لتحقيقها.
إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"العدد 2873 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ