العدد 2393 - الأربعاء 25 مارس 2009م الموافق 28 ربيع الاول 1430هـ

قضية مشيمع بين المحاكم الجنائية والتسوية السياسية

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ليس مناسبا الحديث عن اعتقال رمز مؤثر في الشارع السياسي من خلال المحاكم الجنائية، لأن الناشط السياسي حسن مشيمع كان ضمن مشروع التسوية السياسية في العام 2001، وتحويله إلى المحاكم الجنائية يعني الإضرار بأسس التسوية التوافقية التي أنتجت ميثاق العمل الوطني... كما أن من المفترض أن لدينا نظاما دستوريا يكفل الحقوق والعدالة الاجتماعية وينبذ التمييز والإقصاء وغياب الشفافية ويخلق تكافؤ الفرص والمساواة، وإذا كان هناك من يتحدث بهذه اللغة -كما هو حال الناشط السياسي حسن مشيمع وعدد آخر من الناشطين السياسيين والحقوقيين- فمن المفترض أن النظام الديمقراطي يتحملهم حتى لو كانت وتيرتهم عالية.

ثمة حاجة حقيقية لوقف التراجعات الحادة التي اعترضت طريق الإصلاح، أن يكون شخص بوزن حسن مشيمع في السجن، فذاك أمرٌ يسيء إلى البحرين الجديدة وإلى تجربتنا الديمقراطية الناشئة، ويسيء إلى حلم الملكية الدستورية المنشودة التي ينبغي أن نؤسس إليها قواعد ثابتة من الحرية المسئولة.

من دون مقدمات وبالعربي الفصيح، إن استمرار اعتقال الناشط حسن مشيمع عملٌ يتعارض مع فلسفة الإصلاح ومع مفهوم التسوية السياسية ومع مفهوم التوافق في عنوانه العريض وفي أدبياته وفي جزئياته، ويتقاطع كليا مع التزامات البحرين في المواثيق والعهود الدولية، ويصب في حلم أؤلئك المرضى الذين يريدون العودة بالوطن إلى «عهد الظلم والظلام».

كل العقلاء في الحكومة وخارجها -وهم ليسوا قلة- يدركون أن حسن مشيمع ليس نكرة من النكرات، ومن يعرف الرجل جيدا يدرك أنه ضحى من أجل الأمن الذي تحقق عند التصويت على ميثاق العمل الوطني، ولك أن تختلف معه في كل شي بدءا من الأساليب وصولا للأهداف، ولكن لا يمكنك أن تجرمه لأنه يعبر عن رأيه وتتهمه بتهم كبيرة، ولا يجوز أن نشطب تاريخه الوطني بجرة قلم.

هناك حقيقة لا ينبغي أن تهمل، وهي أن العالم قد تغير، فالبعض منا لا يدرك أن ثمة تغيير جوهري في العالم قد حصل، فهناك من يجهل أو يتجاهل المناخات الجديدة التي تنتاب المجتمع الدولي وأروقة مؤسساته المختلفة، وكل المعطيات الدولية باتت تتجه مرة أخرى إلى فرض القيم الديمقراطية كخيار أساسي للتخلص من العنف والإرهاب.

ثمة إحباط كبير يسود لدى جمهور غير صغير في البحرين. المسألة ليست حسن مشيمع، ولا يجب اختزالها فيه، ومشيمع ليس فوق القانون، بل لا ينبغي لأحد أن يكون فوق القانون وفوق منطق المحاسبة، ولكن يبدو أن الوضع قد توارى إلى الدرجة التي أصبحنا معها لا نترقب إلا الأسوأ، لماذا: الجواب سهلٌ للغاية: لا أحد يريد أن يصغي للآخر، وأصبح بيننا من يتعالى على منطق الحوار.

إن معارضة الاستمرار في اعتقال مشيمع لا يعني أبدا أن نقبل بحالة تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة، هذه الأساليب المنطلقة من مرحلة اللاوعي يجب أن يوضع لها حد، فإغلاق الأنوار في طول شارع رئيسي وحيوي كشارع البديع يجب أن يكون عملا مدانا في كل الأحوال، وكذلك تحويل القرى إلى ساحات مواجهة عبثية في آناء الليل وأطراف النهار.

من حق الجميع أن يدلو بدلوه في هذه القضية أو أية قضية أخرى، وحق التعبير عن الرأي مكفول دستوريا، وعلى رغم اختلافي مع الإضراب عن الطعام كآلية للاحتجاج لكن ذلك يجب ألا يمنعنا من اعتبار الاعتصام الذي نفذه عدد من النشطاء يمثل نهجا سلميا راقٍ من التعبير من دون حاجة إلى ولوج دوامة العنف التي تمثل حلقة فارغة تؤثر سلبا وبنحو واضح على الواقع الأمني والاقتصادي، وتجعل خططنا كبلد لاستقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال بعيدة المنال.

ما من شيء يبرر العنف والعنف المضاد، فلدينا منابر متعددة للتعبير عن الرأي، وبصرف النظر عن بعض القيود المحاطة بها إلا أنها قادرة على إيصال صوتنا ولو بالنحو الأدنى، هناك مؤسسة برلمانية ومجالس بلدية وصحافة تتمتع بجرأة معقولة وجمعيات سياسية وإطارات اجتماعية ومؤسسات مجتمع مدني ومواقع إلكترونية واعتصامات ومسيرات سلمية، وبوسع الجميع التواصل مع المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المختلفة، فمع وجود كل هذه الآليات يصبح العنف في الشارع «فوضى ليست بنّاءة» وحركة غير راشدة يمكن أن تقود البلد إلى منزلق خطير تماما كما هو تعاطي السلطة مع الملفات السياسية والاجتماعية.

ليس أمامنا من خيار إلا إدانة الاعتداءات التي حصلت على عدد من المقيمين من الآسيويين وغيرهم، وهي اعتداءات مرفوضة البتة أيا كان المتسبب بها، لأنها تشكل انتهاكا صارخا لحق الحياة، والاختلاف على مسألة التجنيس وتداعياتها الخطيرة يجب ألا تقود البعض منا -عمدا أو سهوا- إلى انتهاج أساليب منحرفة والقيام بخطوات عنصرية ضد أي أحد، لأن إلحاق الأذى بأي إنسان ليس ساحة للتعبير عن الرأي ولا ينبغي أن يكون كذلك، وحان الوقت لكي نتصارح ونسارع إلى نبذ هذه الأساليب والآليات التي لا تتناسب ومستوانا الثقافي والحضاري.

هل لنا أن ندرك أن المجتمع الدولي لم يعد يصغي لهذه الأساليب العنيفة وإن كان البعض يصنفها خطأ في خانة التعبير، ذاك أن الأمن والحفاظ عليه يشكل حاجة حيوية واستراتيجية لا غنى عنها في أي وقت وتحت أي ظرفٍ من الظروف، والأمن يجب ألا يكون ورقة للحسابات السياسية ولا حتى المطالبات المشروعة، ولكن في المقابل من الصعوبة بمكان فصل المسار الأمني عن بقية المسارات، بمعنى أن الأمن مرتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة اجتماعية تحكمها عناصر مختلفة ومتداخلة.

إلى الذين جانبهم الصواب في الحكومة والشارع هل لنا أن ننصحكم من وحي المسئولية: كفوا عن تصرفاتكم، ويجب ألا تأخذكم العزة بالإثم، دعونا نوجه الأنظار إلى حلمنا الكبير... إنها البحرين الأجمل التي نتطلع إليها، وتلك هي البحرين التي ما من سبيل سوى أن تبنى على أسسٍ وثيقة من جسور الثقة المعبدة لتعبر بالوطن وبأجيالنا نحو المستقبل وإلى حيث ننشد... هذه مسئوليتنا جميعا، وحان الوقت لأن ننجزها الآن وأكثر من أي وقت مضى!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2393 - الأربعاء 25 مارس 2009م الموافق 28 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً