الخطوة الأولى العربية الراسخة على طريق اتخاذ موقف صحيح من مستجدات أي تقارب إيراني-أميركي محتمل، ينبغي أن ترتكز إلى المنطلقات الآتية:
1 - إدراك أن هذه الخطوة الأميركية، هي خيار مركزي، في أن يكون حليفها الاستراتيجي في المنطقة، دون التضحية بـ»إسرائيل»، هو إيران، بما يعني ذلك من بناء علاقات جديدة تقوم على الاعتراف بإيران كدولة أساسية عند التخطيط لمستقبل المنطقة، وبالقدر ذاته، هو بمثابة رسالة واضحة من واشنطن للكتلة العربية، على الصعيدين الإقليمي العام أو القطري الخاص، أن العلاقات مع أي منها لن يرقى، إلى العلاقات الأميركية-الإيرانية في المستقبل المنظور كحد أدنى.
2 - الخطأ في الفرضية المركزية، التي تنطلق من وجود كتلة متمسكة، والتي هي الكتلة العربية، فواقع الحال يؤكد عدم وجود مثل هذه الكتلة، بل لربما نصاب بخيبة أمل حين نكتشف أن الصراعات العربية-العربية، فاقت، في مراحل معينة الصراعات العربية ضد أي طرف خارجي، بما فيها العدو الصهيوني. ولعل الحرب الأهلية اللبنانية، وما يجري اليوم في العراق، وكذلك الغزو العراقي للكويت في العام 1992، جميعها شواهد قوية تؤكد صدق هذه المقولة. لقد أنفقت الحكومات العربية في تصفية الخلافات فيما بينها، ما يفوق ما انفقته على حل خلافاتها مع «إسرائيل»، على رغم إدعاءات الحكومات المخالفة لذلك. الأمر ذاته ينطبق على الصعيد الاقتصادي، فالروابط الاقتصادية، بين كل دولة عربية على حدة مع دول غير عربية تفوق على الصعيدين الكمي والكيفي، تلك العلاقات القائمة بين الدول العربية ذاتها. ولعل الروابط المالية بين معظم العملات الخليجية والدولار الأميركي، تفوق تلك التي بين دول مجلس التعاون ذاتها.
3 - تحديد المستويات المختلفة للتناقضات، فما هو ملاحظ على السلوك العربي، هو الخلط العفوي بين التناقضات التي تحكم العلاقات القائمة في المنطقة، فغالبا ما نشهد تغليب التناقضات الثانوية -دون أي مبرر منطقي- على التناقض الرئيسي. والحديث هنا يتناول العلاقات الاسترتيجية التي تحكم المسار الرئيسي للعلاقات بين دول المنطقة. ففي مراحل كثيرة شاهدنا الخلاف العربي-الإيراني يقفز إلى السطح، كي يحتل مكان الصراع العربي-الإسرائيلي. والسبب الكامن وراء ذلك هو تغليب المصالح القطرية قصيرة المدى، على تلك القومية البعيدة المدى. وينعكس تحديد الأولويات، ومن ضمنها قائمة التناقضات، على العلاقات بين أية دولة عربية وأخرى من خارجها.
4 - تشتت الرؤية العربية المستقبلية للعلاقات المقبلة، فما نشهده اليوم من الزاوية العربية، لا يعدو كونه ردودا آنية قصيرة المدى، على الاستراتيجيات المرسومة للمنطقة، وعلى وجه الخصوص من القوى الخارجية، وهذا الأمر ينطبق على المشروعات المرسومة للمنطقة من نمط ذلك الذي من الطبيعي أن يولده التقارب الإيراني-الأميركي المحتمل.
5 - غياب المشروع العربي المنطلق من المصالح العربية الاستراتيجية الكلية، الذي يراعي في رؤيته الشمولية المصالح الكلية، دون الغرق في تفاصيل تلك القطرية، التي على رغم أهميتها، لكنها لا يمكن أن ترقى إلى مستوى وأهمية تلك ذات المستوى القومي.
في ضوء كل ذلك يمكن للموقف العربي أن ينطلق من الفرضيات الآتية:
1 - إن إيران، بغض النظر عن التعارضات العرقية أو الحدودية التي تعترض العلاقات بينها وبين الكتلة العربية، تبقى في نهاية المطاف عضوا صحيا وبنّاء في جسم منطقة الشرق الأوسط، وإن هناك الكثير من التقاطعات ذات المصلحة المشركة بين الكتلة العربية وإيران، وإن على العرب تغليب هذه المصالح المشتركة على سواها، ما قد يطفو على السطح من خلافات آنية وفي مراحل معينة وفي ظروف استثنائية. وبالتالي، إمكانات احتضان المصالح العربية للمصالح الإيرانية والتفاعل الإيجابي معها أمر يمكن تحقيقه، بل وينبغي الحرص على الوصول إليه. إن مصلحة الكتلة العربية تقتضي أن تكون علاقاتها مع إيران أساسا، دون إقصاء واشنطن من ذلك، علاقات طيبة وإيجابية، وبالتالي، من الطبيعي أن تحاول الكتلة العربية أن تحسن علاقاتها مع جارة مسلمة مثل إيران، وأن تحاول في نطاق تلك المساعي أن تقلص عناصر الاحتكاكات غير المبررة، وأن تحتوي ما من شأنه أن يكدر صفو تلك العلاقات أو أن يقف عقبة في طريق تقدمها.
2 - إن الولايات المتحدة تبقى -مهما سلمت نواياها- جسما غريبا على المنطقة العربية، يحكم استمرار دخولها إلى المنطقة مصالحها الذاتية، التي من الطبيعي أن تغلبها على مصالح المنطقة عندما تتضارب تلك المصالح مع مصالح هذه الدول. حينها لن تتورع واشنطن عن اللجوء إلى الأساليب والخطط التي تحفظ مصالحها، بغض النظر عن مصالح الآخرين. ولعل التقارب الإيراني-الأميركي الذي نشهده اليوم، هو دليل ساطع على ذلك.
من هنا فمن المنطق أن تسعى الكتلة العربية، وانظلاقا من مصالح استراتيجية عليا، إلى بناء علاقات حسنة مع إيران، دون أن يكون ذلك على حساب العلاقات مع واشنطن. مثل هذا المدخل بحاجة إلى قراءة استراتيجية تمتلك رؤية ثاقبة قادرة على استقراء مستقبل المنطقة والتحالفات القديمة بين دولها. وفي غياب مثل هذه الرؤية، لن تنال الكتلة العربية سوى فتات ما يتناثر من طاولة المحادثات الإيرانية-الأميركية التي سترسم معالم ذلك التقارب.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2393 - الأربعاء 25 مارس 2009م الموافق 28 ربيع الاول 1430هـ